الإصلاحات المدخلة على نظرية الإلتزام في القانون المدني الفرنسي، جان سميتس و كارولين كلوم، ترجمة مهدي نبيل
المقدمة :
يعزو الكثيرون الدور المحوري الذي يضطلع به القانون الخاص في فرنسا إلى التقنين المدني [Code Civil] [2] الصادر عام 1804 والذي يسمى في كثير من الأحيان بقانون نابليون ‘Code Napoleon’. إن هذا التقنين يوصف بأنه دستور المجتمع المدني الفرنسي، ففي الوقت الذي يعتني فيه الدستور بوضع المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدولة والأفراد، يضع التقنين المدني المبادئ العامة الناظمة للعلاقات بين الأفراد فيما بينهم كاحترام الملكية والحرية التعاقدية وأحكام المسؤولية المدنية تلك المبادئ التي يقضي بها روح التقنين المدني الفرنسي[3].
ففي الفاتح من أكتوبر عام 2016 شهدت فرنسا تحول ثوري نسبي. حيث تم تعديل نظرية الالتزامات في التقنين المدني الفرنسي بشكل جوهري للمرة الأولى منذ صدور هذا التقنين. وستناقش هذه الورقة الإصلاحات والتي لم يقتصر مداها على رجال القانون في فرنسا فحسب، بل أثارت اهتمام الكثير خارج فرنسا. ولم يكن هذا بسبب التغييرات الجوهرية للتقنين نفسه بل أيضا بسبب الطريقة غير المعتادة التي تم اتباعها لتعديل رمز عمره 210 سنوات اسمه التقنين المدني: لم يكن التعديل بنص يتبناه البرلمان الفرنسي لكنه كان من خلال قرار حكومي (ordonnance). بعد استعراض دوافع وأصل الإصلاحات في المبحث الأول ومناقشة أهم الإصلاحات في القواعد قانونية الموجودة المبحث الثاني، فإننا سوف نطرح سؤالا في المبحث الثالث حول تقييم هذه الاصلاحات وفيما إذا كانت حققت الهدف المرجو منها أم لا. وفي النهاية سيكون واضحا لنا كيف أن هناك سببا جديا للشك في تحقيق هذه الإصلاحات لأهدافها.
المبحث الأول: منطلق الإصلاحات : تاريخها ومبرراتها
“يجب من حين لآخر إعادة النظر في ميدان، باتت فيه الاختلالات الكثيرة تشكل نوعاً من الفوضى”[4]. إن هذه الكلمات ليست من كلمات المشرع الفرنسي بل هي لإدوارد مارتيز ميجرس واضع مشروع التقنين المدني الهولندي لعام 1992. يرى ميجرس أن هذا المعنى هو ما يبرر تحديث التقنين باستمرار : إن تنظيم وتعزيز التطبيق القضائي لنصوص التقنين المدني في المحاكم يسمح للمشرع لاستعادة دوره القيادي الذي يملكه في الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية.إن هذا المبرر مع مبرر الرغبة في استبدال القواعد عديمة الفائدة بأخرى جديدة ، تفسر لنا قيام العديد من الدول بتعديل تقنيناتها التي ترجع أصولها إلى القرن التاسع عشر أو استبدالها بتقنينات جديدة. إن هذه الحقيقة هي التي أدت إلى محاولات غير ناجحة في فرنسا لتعديل التقنين المدني الفرنسي. إن هذا لا يعني عدم حصول أي تعديل على قانون الأسرة الفرنسي[5]أو لقواعد التأمينات العينية ، لكن نظرية الالتزامات المقدسة ظلت تقريبا نفسها كما كانت عام 1804. ربما كان التعديل الأكبر هو الذي حصل عام 2014 عند استبدال معيار رب الأسرة الحريص كمعيار للسلوك المعتاد الذي يتطلبه القانون بمعيار أكثر حيادية وأقل خيالا هو معيار الشخص المعتاد[6].
إن أصل إصلاحات 2016 يعود إلى الفترة التي أعقبت مباشرة الاحتفالات بالذكرى الـ200 لتشريع التقنين المدني الفرنسي[7]. في ذلك الوقت واجهت فرنسا اختبارا مؤلما . في عام 2004 وصلت أوربة[8] القانون الخاص إلى أعلى مستوياتها. لم يكن هذا بسبب التعليمات التي أصدرها المشرع الأوربيفي مجال قانون العقد ، بل بسبب أن هذه الأوربة قد توجت بعدد من المشاريع الأكاديمية. بناءا على ذلك فقد تم ،في ذلك الوقت ،إنجاز مبادئ قانون العقود الأوربي(PECL)[9] وتم إطلاق مشروع التقنين المدني الأوربي[10]. ضمن احتفالاتهم بعظمة تقنينهم فإن الفرنسيين كان عليهم الاستنتاج بأن هذا القانون الفرنسي لم يكن له أثر كبير على هذه التشريعات الأوربية. لقد كانت الحلول المطروحة في التشريعات الأوربية معتمدة على القانون الألماني أو القانوني الانكليزي أو على التقنين المدني الهولندي المعاصر لعام 1992 أكثر من اعتمادها على قواعد القانون الفرنسي التي يصل عمرها إلى القرنين. إضافة إلى ذلك فقد نشرت الطبعة الأولى من التقرير المشهور اليوم بـ “ممارسة الأعمال التجارية ” من البنك الدولي. لقد قام هذا التقرير بتصنيف الأنظمة القانونية بناءا على جذبها للتجارة الدولية وقد كانت فرنسا في المرتبة الرابعة والأربعين[11] . لقد خلقت هذه المستجدات زخما وإرادة سياسية لإصلاحات كبيرة في القانون الخاص في فرنسا. بالإضافة إلى تعزيز الثقة القانونية بالتشريع من خلال تقنين التطبيقات القضائية فقد كان المبرر الرئيسي للإصلاحات الحالية هو تطوير الجذب الذي يحظى به القانون الفرنسي على النطاق الدولي. كما أن مبررا آخر كان تنشيط ما يعرف بالعدالة العقدية من خلال تعزيز المركز القانوني للجانب الأضعف في العقد[12].
إن من الطرق التي تستعمل عادة في إصلاح تقنين مدني هي إعداد المسودة الأولى من الأكاديميين الحقوقيين وهي علامة على التعاون الوثيق في الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية بين الأكاديميين من جهة وبين السلطة التشريعية من جهة أخرى. إن هذا ما حدث في فرنسا بخصوص الإصلاحات محل البحث ففي عام 2005 نشرت لجنة برئاسة أستاذ القانون المتقاعد بيير كـَـتالا (1903-2012) مسودة لمشروع قانون التعديل[13]. ضمت اللجنة عددا لا يقل عن 37 عضوا من تخصصات مثلوا جميع تخصصات القانون الفرنسي الخاص وهو السبب الذي جعل المسودة فرنسية بحتة وخالية من الإشارة إلى قانون العقود الأوربي (PECL) أو حتى القواعد ذات الأصل الأوربي. في مقابلة هذا هذه المسودة فإن محاولة أكثر تقدمية لإصلاح التقنين المدني الفرنسي قد قدمت من أستاذ قانون آخر من جامعة باريس هو الأستاذ فرانسوا تيريه (ولد عام 1930)[14]. نشرت هذه المسودة عام 2008 من قبل وزارة العدل الفرنسية ذاتها[15] وشكلت أساسا للإصلاحات موضوع البحث.
إن من أهم الأسباب الرئيسية التي تدفع الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية لتقنين التشريعات هو السماح للسلطة التشريعية المنتخبة بشكل ديمقراطي من المشاركة في صناعة القانون. عكس ما يشير إليه المصطلح فإن التقنين لا يتضمن تقنين السوابق القضائية بل يتعداها إلى تبني العديد من الخيارات الأخرى كمستوى الحماية التي يجب أن يتمتع بها الطرف الضعيف في العقد ومدى الحرية التي تمنح للمحكمة في ذلك. عندما أعدت مسودة القانون المدني الهولندي فإن البرلمان الهولندي قد طلب منه الإجابة على خمسين سؤالا طرحت من ميجرس. غير أن الإجراءات الديمقراطية لها ثمنها فهي ليست بطيئة فحسب لكن البرلمان يجب أن يكون راغبا في الموافقة على التعديلات المقترحة. إن هذه الموافقة قد سببت إشكالية في فرنسا. لقد ظلت الآليات المناسبة التي يجب اتباعها في هذه الإصلاحات محل جدل طويل بين الحكومة والجمعية الوطنية (أحد ذراعي البرلمان ) من جهة وبين مجلس الشيوخ (الذراع الآخر للبرلمان ) من جهة أخرى. لقد كانت الحكومة والجمعية الوطني يفضلان الإصلاح من خلال تعليمات بينما كان مجلس الشيوخ مؤيدا لفكرة إصدار نص تشريعي جديد. إن وجهة النظر الأخيرة كانت مفهومة تماما حيث أن التقنين المدني الفرنسي يشكل دستور المجتمع المدني لذا سيكون تعديله من خلال التعليمات الحكومية أمرا مهينا. على أية حال فإن مجلس الشيوخ قد خسر الرهان فقد قدمت الحكومة عام 2013 مشروعا يستند إلى السلطات الخاصة التي منحتها إياها المادة 38 من الدستور الفرنسي[16] يسمح للحكومة تغيير نظرية الالتزامات في التقنين المدني الفرنسي. بحلول عام 2015 وبعد مواجهة طويلة بين ذراعي البرلمان الفرنسي تمت الموافقة على المشروع[17] الذي أطلق العنان للنقاش حول نصوص الإصلاح.
لم يكن هذا النص متعلقا بنظرية العقد فقط بل يتناول نظرية الالتزامات بصورة عامة كما يتناول قانون الإثبات أيضا. إن طرح النص للتشاور أمام الكافة أنتج أكثر من 300 رد مكتوب من جميع فعاليات المجتمع الفرنسي[18]. صدرت التعليمات في شباط من عام 2016[19].لا زالت التعليمات تحتاج مصادقة البرلمان[20]. لكن عدم المصادقة لا يمنع التعليمات من دخول حيز النفاذ في الأول من تشرين الأول 2016[21]. إن الإصلاحات القادمة وشيكة الوقوع ، فلقد نشرت مسودة أولى لإصلاحات في المسؤولية المدنية وستكون قانون ملزما عام 2017 [22].
المبحث الثاني : مضمون الإصلاحات: تعدد الخيارات
بعد انتهاء 200 سنة على تشريع التقنين المدني الفرنسي ، تبدو النصوص الجديرة بالتعديل في الكتاب الثالث من هذا التقنين غير منتهية. إن كل نص كتب منذ زمين بعيد يمكن إعادة كتابته بشكل جديد بينما يطور القضاء قواعد جديدة يمكن أن يتم تقنينها. على أية حال فإن هذا لم يكن الخيار الذي تبنته الحكومة الفرنسية التي قدمت لنا إصلاحات محدودة نسبيا تاركة الغموض يلتبس سبب اختيار نص دون آخر ضمن التعديل. إن الإصلاحات ترمي إلى واحد من ثلاثة أهداف
أولها تغيير القواعد القانونية الموجودة ،أما ثاني هدف فهو تقنين القانون الوضعيما توصل إليه القضاء والفقه ،وأخيرا قد يكون هدف الإصلاحات تقديم نصوص ذات طبيعة نظرية وتنظيمية لن يكون لها ذاك الأثر العملي على تطبيق القانون . سيكون كل من هذه المواضيع الثلاثة عنوانا لمطلب وكما يأتي :
المطلب الأول : تغيير القواعد القانونية سارية المفعول
لا شك أن الفئة الأولى وهي النصوص التي غيرت قواعد قانونية موجودة تعد الأكثر إثارة للاهتمام. من دون أن نهدف إلى مسح شامل لهذه الفئة فإننا سوف نحدد أربعة نقاط رئيسية سوف تعدل في القانون الفرنسي[23]أولها إلغاء السبب كشرط لصحة العقد. (المادة 1128 الجديدة من التقنين المدني ) ، وثانيها إلغاء الشروط التعسفية في كل أنواع العقود (المادة 1171 الجديدة في التقنين المدني ) وثالثها إمكانية إنحلال الرابطة العقدية أو تعديلها بناءا على الظروف الطارئة (المادة 1195 الجديدة في التقنين المدني ) و رابعها هو أن الحق في المطالبة بتنفيذ الالتزام يخضع إلى معيار المعقولية (المادة 1221 الجديدة في التقنين المدني ).
ربما يكون المظهر الأكثر ثورية ضمن الإصلاحات هو إلغاء السبب كركن في العقد . لحد الآن فإن النص السابق للمادة 1108 من القتنين الفرنسي القديم تضع أربعة أركان لانعقاد العقد وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب. لقد دمجت المادة الجديدة 1128 من التقنين المحل والسبب في ركن واحد عندما تطلبت أن مضمون العقد مشروعا ومحددا. يكمن السبب وراء إلغاء السبب بأن وظيفته في نظرية العقد ليست واضحة تماما بالإضافة إلى تداخله مع مبادئ أخرى في العقد مثل الانعقاد والغلط. بالإضافة إلى ذلك فقد غاب ركن السبب في مبادئ قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR)[24]. إن هذا المسلك الذي تبناه المشرع الفرنسي يجب أن يكون محل إطراء فالسبب في قوانين الشريعة اللاتينية بقي ثابتا لفترة طويلة بحيث يقتصر تبرير وجوده اليوم على الجانب التاريخي فقط[25]. لا زال العقد مع ذلك يجب أن يقع على محل قابل لحكمه موجود أو قابل للوجود وقت التنفيذ (المادة الجديدة 1163 من التقنين المدني ) كما لا زال من الممكن إبطال العقد لمخالفته للنظام العام (المادة الجديدة 1102 الفقرة الثانية من التقنين الجديد) .من الجدير بالذكر هو أن التقنين المدني الفرنسي ،خلافا لكل التقنينات الأوربية تقريبا،لم يعد يشير إلى الآداب العامة كأساس لإبطال العقد ،فهذه الأخيرة لا يشكل التعارض معها سببا لإبطال العقد ما لم تكن جزءا من النظام العام. إن هذا الاختلاف سيسبب بدوره اختلاف عمليا بطبيعة الحال.
التغيير المهم الثاني يمكن أن يوجد في المادة الجديدة 1171 من التقنين المدني. تنص الفقرة الأولى من هذه المادة (أي شرط في عقد نموذجي ينشأ عدم توازنا بين حقوق والتزامات الأطراف في العقد يعد كأنه غير مكتوب) لم يتضمن التقنين الفرنسي لحد الآن مثل هذا النص العام. لقد طبقت فرنسا بالطبع التوجيهات الأوربية ذات العدد 13 لسنة 1993 حول الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك[26]، بالإضافة إلى ذلك فإن التقنين التجاري الفرنسي يحتوي على حكم مشابه وإن كان تطبيقه نادرا جدا[27]، غير أن فرنسا لم تعرف لحد الآن نصا عاما حول الشروط التعسفية في العقود النموذجية لأي نوع من أنواع العقد النموذجي ( B2B,B2C,C2C) إن المسألة الآن هي مدى مساهمة تطبيق هذا النص على العقود التجارية في جاذبية القانون الفرنسي. لقد نصت المذكرة الإيضاحية ببساطة بأن المعايير التي وضعتها المذكرة الأوربية تعد نافذة على العقود التجارية. على أية حال فإن هذا يعد غير مرغوب فما ينشأ عدم توازن بين الحقوق والالتزامات سوف يحدد بشكل مختلف من حالة لآخرى في العلاقات التي تنشأ عن عقود B2B مقارنة بعقود الاستهلاك البسيطة التي تبرم بشكل يومي.
لقد أنهى التغيير الثالث للتقنين مرحلة مضت من التقنين الفرنسي. خلافا للعديد من القوانين وكذلك للقانون الإداري الفرنسي فإن القانون الفرنسي الخاص لا يسمح أبدا للقاضي أن ينهي أو يعدل العقد بناءا على الظروف الطارئة.[28] إن هذه المشكلة ليست بذاك الحجم الذي تظهر عليه للوهلة الأولى حيث تقضي العادات التجارية بأن أطراف العقد يستطيعون تضمين عقودهم ما يعرف بشرط القوة القاهرة ليتعاملوا مع آثار الظروف المتغيرة. لقد أبدى المشرع الفرنسي في الإصلاحات الجديدة رغبة في مساعدة الطرف المتضرر في حالة أثرت أزمة ما على العامة من خلال نص خاص يعالج الموضوع . تقضي المادة 1195 من التقنين المدني بأن المحكمة تستطيع إعادة النظر بالعقد أو حتى وضع نهاية للعقد في حالة (تغير ظروف غير منظور وقت إبرام العقد يجعل تنفيذه مرهقا بشكل كبير لطرف لم يكن ليقبل ما يترتب على هذا التغير من خطر). لقد كان هذا الابداع في القانون الفرنسي مستوحى من كل من قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR).
لقد قدمت المذكرة الإيضاحية هذا التغيير على أنه طريقة لمنع عدم التوازن الخطير بين التنفيذ المتقابل لأطراف العقد.[29] على أية حال فإن اللجوء إلى المحكمة ليس في متناول اليد بشكل فوري. على الأطراف أولا أن يعيدوا التفاوض حول البنود العقدية لكي تستطيع المحكمة النظر في الدعوى حيث لا تنظر الدعوى إلا إذا رفض الطرف الآخر إعادة التفاوض حول البنود العقدية أو إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى الاتفاق. لقد تضمن النص الجديد إذن واجبا على الأطراف لإعادة التفاوض من جديد كما هو موجود في المادة 6 : 111 من قانون العقود الأوربي.
بالإضافة إلى هذا التغيير فلقد استوحى المشرع الفرنسي التعديل الجوهري الرابع من قانون العقود الأوربي. لقد استوحى المشرع الفرنسي من الفقرة 2 (b) من المادة 9 : 102 من قانون العقود الأوربي حكما نص عليه في المادة 1221 الجديدة التي تمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ الالتزام ليس فقط في حال استحالة التنفيذ بل ايضا في حال (وجود عدم تناسب واضح بين تكاليف التنفيذ التي يتحملها المدين وبين المصلحة التي يحصل عليها الدائن) . بناءا على ذلك فإن دعوى التنفيذ سوف ترد في حال كون التنفيذ باهظا جدا على المدين أو في حال انعدام مصلحة الدائن في التنفيذ أو في حال كان دعوى المطالبة بالأضرار المترتبة على عدم التنفيذ تشكل تعويضا مناسبا للدائن. بالرغم من أن المذكرة الإيضاحية لم تأت بأمثلة على هذا الحكم لكن المثال الذي يبرز إلى الأذهان مباشرة هو الدعوى التي بنى فيها مقاول منزلا أقل ارتفاعا مما اتفق عليه الأطراف بـ 33 سم . بالرغم من أن المحكمة قد خلصت إلى أن هذا الاختلاف في الارتفاع لم يجعل من المنزل غير مناسب للغرض الذي أعد من أجله ، فقد استجابت المحكمة لدعوى التنفيذ وأرغمت المقاول على هدم المنزل وبناء منزل جديد[30].
المطلب الثاني : تقنين ما توصل إليه الفقه والقضاء
إن الطائفة الثانية من النصوص الجديدة كان الدافع إليها رغبة صانع القانون الفرنسي في تطوير الدقة القانونية. إن أغلب النصوص التي تندرج تحت هذا النوع هي تقنين للتطبيق القضائي أو تبني لحلول مقبولة بشكل واسع فقهيا لكنها لم تجد طريقها إلى التشريع.
إن مظهرا مهما من مظاهر نظرية العقد في القانون الفرنسي هو أن المشرع ومحكمة التمييز الفرنسية لم يضعا قاعدة صارمة بخصوص وقت إبرام العقد. إن كل القوانين التي تتبع الشريعة اللاتينية تعتبر لحظة وصول القبول للموجب هي لحظة ابرام العقد لكن القاعدة في ظل القانون الفرنسي أن هذا الأمر هو مسألة تستقل محكمة الموضوع بتقديرها في ضوء الظروف والإرادة المفترضة للمتعاقدين[31]. على أية حال فإن التطبيق القضائي الفرنسي يتجه إلى تطبيق نظرية الاستلام وهو ما نصت عليه المادة 1121 الجديدة من التقنين . تبنى التعديل الجديد أيضا عدة مبادئ حول انعقاد العقد. على سبيل المثال فقد قننت المادة 1112 الجديدة من التقنين التطبيق القضائي فيما يتعلق بقطع المفاوضات التي تسبق العقد;فقد أرست المادة 1112 في فقرتها الأولى قاعدة عامة حول الالتزام بالإعلام[32]وقضت المادة 1117 بأن الإيجاب يسقط حال انتهاء المدة التي حددها الموجب. في المقابل فقد عالجت المادة 1115 من التقنين المدني رجوع الموجب عن إيجابه قبل نفاذه فيما عالجت المادة 1116 رجوع الموجب عن إيجابه.
لقد أعيد تقنين أنظمة قانونية تم تطويرها على مدى المائتي سنة الأخيرة ، كنظام الوعد بالتعاقد من جانب واحد. (المادة 1124 الجديدة من التقنين المدني ) و حالات البطلان (المواد الجديدة 1178 وما بعدها بما فيها تقنين البطلان النسبي في المادة 1184) ، والعقود غير محددة المدة (المادة 1211 الجديدة من التقنين المدني)، و المسؤولية العقدية [33](المواد الجديدة 1217 وما بعدها من التقنين المدني بما فيها تعريف جديد للقوة القاهرة في المادة 1218 الجديدة) ، وإنقاص الثمن (المادة الجديدة 1223 من التقنين المدني ) وإنهاء العقد بطريقة الإعذار[34]( المادة 1224 الجديدة من التقنين المدني ). إذا ذهبنا خارج نظرية العقد فإن هناك قاعدة معاصرة آخذة بالتشكل تقضي بأن الملكية تنتقل بمجرد إبرام العقد( solo consensus: المادة 1196 الجديدة ) وأخرى تتعلق بالفضالة (negotiorumgestio : المادة 1301 الجديدة من التقنين المدني ).إن دعوى الإثراء بلا سبب والتي أقرتها محكمة التمييز الفرنسية في عام 1892[35] يمكن من الآن فصاعدا أن توجد في التقنين المدني ( المادة 1303 الجديدة وما بعدها من التقنين المدني ). أضيف بابان جديدان للكتاب الثالث للقانون تم تكريسهما للنظام العام للالتزامات (الباب الرابع –المواد 1304 وما بعدها من التقنين المدني ) بما فيها النصوص حول الالتزام المعلق على شرط ، حوالة الحق ، حوالة الدين، تجديد الالتزام، الإنابة في الوفاء ، الإعذار (المواد 1344 وما بعدها من التقنين المدني ) والباب الرابع –مكرر (المواد الجديدة 1353 وما بعدها من التقنين المدني ) والمخصص لإثبات الالتزام.
لقد تضمنت الإصلاحات نصوصا جديدة حول عيوب الرضا ، فإلى جانب الغلط والتغرير والإكراه (التي أعيدت صياغة النصوص المتعلقة بها ) قننت المادة 1143 الجديدة المبدأ القضائي المعروف بالإكراه الاقتصادي(violence economique). لقد كان هدف النص هو منع أي طرف من أن يكون مرتبطا بالتزام لشخص استغل الضعف الاقتصادي للطرف الأول. لقد أبدت الشركات الفرنسية تخوفها ،حين رأت مسودة هذه المادة بأن تمنح المحكمة سلطة واسعة في إبطال (نقض) هذه العقود. لقد سبب هذا بأن المادة 1143 ، في مسايرة للمادة 3.2.7 من مبادئ العقود التجارية الدولية ، قد وضعت شرطا وهو بأن يكون الطرف الذي يستغل حالة الضعف الاقتصادي للطرف الأخر قد حاز ” ميزة مفرطة بشكل واضح”. لقد قلل هذا الشرط الأهمية العملية لهذا النص.
بالإضافة إلى ما تقدم ، فقد جاءت الإصلاحات بقاعدة جديدة تتعلق بتفسير العقد. النص التقليدي المتعلق بالموضوع في التقنين الفرنسي هو المادة السابقة 1156 التي تنص على ” يجب البحث في النية المشتركة للأطراف المتعاقدين بدلا من التوقف عند المنعى الحرفي للكلمات”. لم تلغ الإصلاحات هذا النص لكن المادة الجديدة 1188 من التقنين المدني أضافت فقرة ثانية تنص على أنه وفي حال عدم إمكانية معرفة النية المشتركة “فإن العقد يفسر حسب المعنى الذي يضعه له شخص متوسط الصفات يوضع في نفس الظروف”. لقد جاء هذا مشابها لما نصت عليه مبادئ قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR). على أية حال فإن اللافت للنظر بأن مبدأ المعنى الواضح “clauses claires et précises” الذي تبنته محكمة التمييز الفرنسية عام 1872[36] قد تم تقنينه. تنص المادة الجديدة 1192 على أن “الشروط الواضحة غير الغامضة ليست محلا للتفسير لأن هذا سيعرضها لخطر التشوه”.
لا يحتاج أحد منا أن يكون مؤيدا قويا للهرمنيوطيقا الفلسفية لجادامير[37] لكي يدرك أن الكلمات لا يمكن أن تكون واضحة داخل النص أو خارجه. النص يحتاج دائما للتفسير فالمصطلح يكون غير غامض كنتيجة مثالية لعملية التفسير وليس قبلها.
المطلب الثالث : تعديلات يغلب عليها الطابع النظري
الصنف الثالث من التعديلات هي التعديلات ذات الطابع النظري والتنظيمي. لن يكون لهذه التعديلات أثر كبير على التطبيق القانوني ، لكنها تشكل دليلا على كيفية توجه التقنين الفرنسي نحو التقاليد القانونية الجرمانية حتى إلى المدى الذي وصف معه أحد الفقهاء التعديلات بوصفها (ProfessorenRecht)[38] ذلك الوصف الذي لم يكن يقصد به المدح. على سبيل المثال فإن الباب الثالث من الكتاب الثالث لم يعد يبادر في بدايته ودون تمعن إلى تعريف العقد (المادة القديمة 1101 من التقنين المدني)، لكنه يقدم اليوم المادة الجديدة 1100 حول مصادر الالتزام. تقضي هذه المادة في فقرتها الأولى بأن الالتزام ينشأ من التصرف القانوني أو الواقعة القانونية أو بسلطة القانون فقط. إن هذا تغير مثير للاهتمام عن تصنيف الالتزامات الذي بقي منذ كتب الفقيه الروماني جايوس كتيبه التعليمي “النظم” في سنة 170 ميلادية. بهذا النص التحق التقنين الفرنسي بشكل غير متفق عليه[39] بالتقنينات التي تضع مفهوما للتصرف القانوني مثل التقنين الألماني والتقنين الهولندي.
ولأجل تحقيق هذه الانعطاف نحو تقنين أكثر اعتمادا على الفكر فقد قننت ثلاثة مبادئ تتعلق بنظرية العقد في بداية الباب الثالث من الكتاب الثالث. بعد النص الجديد المتعلق بحرية التعاقد( المادة 1102 الفقرة الأولى من التقنين المدني ) ، احتل مبدأ القوة الملزمة للعقد (المادة 1103 الجديدة من القتنين المدني) مركز الثقل بينما امتد التطبيق التشريعي لمبدأ حسن النية (المعقولية والإنصاف ) إلى مرحلتي التفاوض وابرام العقد (المادة 1104 الجديدة من التقنينالمدني )[40]. لقد تضمنت السوابق القضائية قبولا واسعا لهذه المبادئ الثلاثة [41]. لقد وضع المبدأ القاضي بعدم اشتراط شكل معين لإبرام العقد في المادة 1172 الجديدة من التقنين المدني. إن هذه النصوص تبدو قديمة الطراز. إن الحرية العقدية لا زالت خاضعة للنظام العام (المادة 1102 الجديدة الفقرة الثانية من التقنين المدني )، لكن ، وعلى عكس ما كان الحال في مسودة الإصلاحات ، لم تتم الإشارة إلى لتأثير الحقوق الأساسية على علاقات الأشخاص الخاصة .ولعل هذا المجال قد حدثت فيه تطورات مثيرة للاهتمام جعلت من المحاكم في حاجة إلى دليل تسير عليه.
المبحث الثالث : تحول جذري أو تعديل قطعة بقطعة؟
يبقى السؤال مطروحا : كيف يمكن تقييم الإصلاحات في القانون الفرنسي ؟ هل قدمت لنا الإصلاحات تعديلات جديدة أو أنها كما يقال كلما غيرت في الشيء بقي الشيء نفسه؟ اذا نظرنا إلى الإصلاحات من وجهة نظر دولية ، فإنها ليست تلك الإصلاحات المثيرة. لقد تضمنت الإصلاحات إدامة متأخرة جدا لبعض غرف التقنين بدلا من تشييد بناء جديد للمستقبل يكون مناسبا للقرن القادم. يتكلم الكاتب الفرنسي ميكّي عن “فعل ذلك مرة أخرى دون تراجع”[42]. السؤال الأكثر أهمية يدور حول كون النصوص الجديدة قد حققت الإصلاح المطلوب للتقنين : هل ساهمت حقا في تعزيز مصداقية القانون ومدى جاذبية القانون الفرنسي على الصعيد الدولي؟
هناك شك قليل حول كون تقنين السوابق القضائية يساعد في فهم أفضل للقانون. إن معرفة القانون من خلال مجموعة مركزة وشاملة من القواعد المصاغة بعناية أسهل من معرفته من خلال سوابق قضائية متناقضة في بعض الأحيان وهي مرتبطة بظروف الدعوى. ولعل صانع القانون الفرنسي كان لديه نظرة قاصرة عن سلطاته. إن القانون يصنع دائما من خلال تفاعل معقد بين المشرع والسلطة القضائية والأكاديميين والقطاع الخاص. لن يكون أحد قادرا على معرفة القانون من خلال دراسة بعض النصوص التشريعية. أي شخص يرغب في زيادة الوضوح في القانون مع قناعة قانونية ، ينبغي عليه تطوير نظام معلوماتي يخبر الناس ومحاميهم حول مخرجات الدعاوى التي تحصل في الحياة [43]. ولحد الآن وبقدر تعلق الأمر بالتعديلات الأربعة فإن إلغاء ركن السبب يجب أن يصفق له ، لكن المادة الجديدة 1171 من التقنين المدني (حول الشروط التعسفية ) والمادة 1195 (حول الظروف الطارئة ) قد تعرضتا إلى الانتقاد بسبب كونهما يفتقدان إلى إرشاد متماسك حول كيفية وجوب تطبيقهما من قبل المحاكم بطريقة متسقة[44]. إن هذا الأمر يشكل مفاجئة صادمة: الإصلاح ليس مبنيا على نظرة واضحة لنظرية العقد لكنه مبني بالمقابل على مزج براغماتي بين الكفاية الذاتية والحماية والفاعلية[45].
هل يمكن أن تجعل هذه الإصلاحات التقنين المدني ذا جاذبية أكثر للمتعاقدين وللمشرعين على المستوى الدولي؟ هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نشك في ذلك. إننا نميل إلى الاعتقاد بأن الإصلاحات في نظرية العقد تكون ذات تأثير محدود على جذب نظام قانوني ما للتجارة الأجنبية. إن سرعة حسم النزاعات القانونية ، ونظام الضرائب والوصول إلى مصادر التمويل هي ما يكتسب الأهمية حسب ما يظهره تقرير “ممارسة الأعمال التجارية ” من البنك الدولي. إننا لن نضع التقنين الفرنسي المعدل في رأس قائمة النماذج التشريعية التي تشكل مصدرا لإلهام المشرعين حول العالم . إن نوعا من المفارقة يتمثل في كون ثلاثة أرباع (الابتكارات ) في الإصلاحات هي مستوحاة من مبادئ قانون العقود الأوربيPECL و ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننةDCFRوهو ما يثبت لنا أن هناك نوعا من التعالي حين نعتبر القانون الفرنسي نموذجا تشريعيا وفقهيا لمجرد ان هذه النسبة من القواعد الأوربية مطبقة من قبل المشرع الفرنسي. على ما تقدم ، فإن الابتكارات الحقيقية في مشروع الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننةDCFR ، كالقواعد التفسيرية لعوقد تجارية محددة مثل عقد الامتياز (الفرنشياز ) وعقد التوزيع، ليست ضمن الإصلاحات. إن تركيز الإصلاحات على نصوص مختصرة حول مواضيع تقليدية يجعل من التقنين الفرنسي محتفظا بصبغته اللاتينية. لقد كان هذا خيارا واعيا للمشرع الفرنسي وهو ما ينطبق عليه المثل الفرنسي plus ca change[46]
إن هذه الإصلاحات تشكل حافزا للبلدان التي تتبع النموذج الفرنسي لإعادة النظر في تقنيناتها. لقد شكل وزير العدل البلجيكي ست لجان لإعداد مشروعات حول إعادة النظر في التقنين المدني البلجيكي لجعله “عصريا يتمتع بالشفافية”[47]. إن هذا المنحى يتناغم مع الدعوات التي أطلقها رجال القانون والأكاديميون في بلجيكا[48]. ربما سينجح المشرع البلجيكي فيما عجز عنه نظيره الفرنسي وهو إنجاز مسودة مشروع تقنين عصري فعلا[49]. على أية حال ورغم انتقادنا فإن هذه الإصلاحات ستكون ما يتوجب على رجال القانون الفرنسيين أن يتعاملوا معه بعد عقد من غياب الرؤية حول مصير هذه الإصلاحات. إن سريان هذه الإصلاحات سيكون على العقود التي أبرمت بعد الأول من تشرين الأول 2016 .
•••••••••••••••••••••••••••••• الهامش ••••••••••••••••••••••••••••••
[1] *Maastricht Journal of European and Comparative Law* 23.6 (2016): 1040-1050.
http://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1023263X1602300607?journalCode=maaa
تمت الترجمة بتصرف من المترجم وذلك لاختلاف المباني والاستعمالات اللغوية بين اللغتين القانونية الفرنسية و الانكليزية من جهة وبين والعربية من جهة أخرى. (المترجم)
[2]تمت استعمال كلمة التقنين بدلا من القانون لأن النص الأصلي وتشريع نابليون استعملا كلمة (Code) وهي كلمة تدل على التقنين أكثر من دلالتها على القانون (المترجم)
[3] J.M. Smits, Contract Law: AComparative Introduction (Cheltenham, 2014)
[4]E.M. Meijers, ‘La réforme du Code Civil Néerlandais’, in E.M. Meijers, VerzameldePrivaatrechtelijkeOpstellendeel 1 (UniversitairePers Leiden, 1954), p. 161.
[5] قانون الأحوال الشخصية (المترجم)
[6]Article 26 of Law 2014–873 of 4 August 2014 on real equality between women and men (Loi No 2014– 873 (4 August 2014) pour l’egalitereelle entre les femmes et les hommes).
[7]See on the reform e.g., G. Chantepie and M. Latina (eds.), La reforme du droit des obligations (Dalloz, 2016); H. Barbier, ‘Les grandsmouvements du droit commun des contratsapresl’ordonnance du 10 Février 2016’, Revue trimestrielle de droit civil (2016), p. 247; B. Fauvarque-Cosson, ‘Towards an important reform of the French Civil Code’, Montesquieu Law Review (2015), p. 67.
[8]الأوربة هي جعل الشيء أوربيا (المترجم)
[9]Part 3 was published in 2003 see, O. Lando et al. (eds.), Principles of European Contract Law Part III (Kluwer, 2003).
[10]This project resulted in the Draft Common Frame of Reference (DCFR), C. Von Bar et al. (eds.), Principles, Definitions and Model Rules of European Private Law: Draft Common Frame of Reference (Sellier, 2009).
[11]World Bank, ‘Doing Business in 2004: Understanding regulations’, www.doingbusiness.org/~/media/WBG/DoingBusiness/Documents/Annual-Reports/English/DB04-FullReport.pdf. In the most recent edition of 2016, France is ranked 27th.
[12]Report to the President of the Republic on regulation nr 2016–131 (Rapport au President de la Republiquerelatif a l’ordonnance no 2016–131), JUSC1522466P, Journal Officiel, 11 February 2016.
[13]P. Catala, Avant-projet de reforme du droit des obligations et de la prescription (La Documentation française, 2006).
[14]F. Terré, Pour unereforme du droit des contrats (Dalloz, 2009).
[15]See on its genesis for example, D. Mazeaud, ‘La réforme du droit français des contrats’, Revue JuridiqueThemis (2010), p. 243.
[16]تقضب المادة 38 من الدستور الفرنسي بجواز طلب الحكومة تفويضا من البرلمان لمدة محددة لاتخاذ إجراءات تدخل في اختصاص القانون من أجل تنفيذ برنامج حكومي (المترجم).
[17]Act no. 2015–177 of 16 February 2015 on the modernisation and the simplification of law and procedures in the fields of justice and domestic affairs (Loi no. 2015–177 du 16 fevrier 2015 relative a la modernisation et a la simplification du droit et des procedures dans les domaines de la justice et des affairesinterieures), JUSX1326670L. Article 8 of this loid’habilitation gave the French government the mandate to modernize and simplify its contract law, the law of obligations and the law of evidence in Book III of the Civil Code (Code Civil), to make it more readable and accessible and to guarantee legal certainty and efficacy.
[18]Available through the website of the Ministry of Justice (Ministere de la Justice), www.justice.gouv.fr/modernisation-de-la-justice-du-21e-siecle-12563/la-reforme-du-droit-des-contrats-27898.html.
[19]French Ordinance on the law of contract, the general regime of obligations, and proof of obligations (Ordonnance no. 2016–131 du 10 fevrier 2016 portantreforme du droit des contrats, du regime general et de la preuve des obligations), JUSC1522466R, available through www.legifrance.gouv.fr. An English translation can be found at www.textes.justice.gouv.fr/dossiers-thematiques-10083/loi-du-170215-surla-simplification-du-droit-12766/traduction-de-lordonnance-du-10-fevrier-2016-en-langue-anglaise-28998.html. This translation was used when quoting the new provisions.
[20]Bill to ratify regulation Nr 2016–131 of 10 February 2016 on the reform of contract law, the general regime of and evidence of obligations (Projet de loiratifi ant l’ordonnance No 2016–131 du 10 fevrier 2016 portantreforme du droit des contrats, du regime general et de la preuve des obligations), JUSC1612295L (6 July 2016).
[21]Recent developments can be followed at the blog Reforme du droit des obligations, http://reformeobligations.dalloz.fr.
[22]See French Ministry of Justice, www.justice.gouv.fr/le-garde-des-sceaux-10016/consultation-publiquesur-la-reforme-de-la-responsabilite-civile-28940.html.
[23]An overview of the new provisions and the new numbering of the Civil Code can be downloaded as a supplement to the Dalloz Code Civil 2016: www.editions-dalloz.fr/livre-blanc-reforme-du-droitdes-obligations. The explanatory memorandum referred to below is the ‘Rapport au Président’ of 11 February 2016.
[24]اطلقنا مصطلح الشريعة العامة غير المقننة كترجمة لمصطلح (common law) وهو النموذج القانوني الذي تتبناه بريطانيا ومن يتبعها من الدول (المترجم)
[25]See further, J.M. Smits, Contract Law: A Comparative Introduction, p. 77 et seq.
[26]Council Directive 93/13/EEC of 5 April 1993 on unfair terms in consumer contracts, [1993] OJ L 95/29.
[27]Article L 442–6-I of the French Code of Commerce (Code de Commerce).
[28]Cass. Civ. 6 March 1876, D. 1876.I.93 (Canal de Craponne).
[29]See F. Auque, ‘L’Ordonnanceréformant le droit des obligations: les nouveaux articles 1171 et 1195 du code civil’, ActualiteJuridique Droit Immobilier (2016), p. 184.
[30]Cass. Civ. 11 May 2005, RTD Civ. 2005, 596 (Belhadji/Les Batisseurs du Grand Delta).
[31]See, J.M. Smits, Contract Law: A Comparative Introduction, p. 59 et seq.
[32]On which C. Grimaldi, ‘Quandune obligation d’informationen cache uneautre: inquiétudes a l’horizon’, RecueilDalloz (2016), p. 1009.
[33]Th e term ‘remedes’ is not used in the new regulation because it would too much resemble the common law terminology, see M. Mekki, ‘L’ordonnance no 2016–131 (…). Le volet droit des contrats: l’art de refaire sans défaire’, RecueilDalloz (2016), p. 494.
[34]هنا يكون الإنهاء من جانب واحد (المترجم)
[35]Cass. 15 June 1892 (Boudier/Patureau-Mirand), D.P. 1892.1.596.
[36]Cass. 15 April 1872 (VeuveFoucauld et Coulombe/Pringault), DP 72.1.176.
نصت المحكمة في هذا المبدأ (لا يجوز للمحكمة عندما يكون نص العقد صريحا أن تشوه الالتزامات الناشئة عنه معدلة وأن تعدل الشروط العقدية)(المترجم )
[37] هانز جورج جادامير ،فيلسوف ألماني ، يدعو في فلسفته إلى تجنب العادات العقلية عند تفسير النص واستكشاف التجربة الشخصية عند تفسير النصوص (المترجم)
[38]N. Rontchevsky, ‘Les objectifs de la réforme: accessibilité et attractivité du droit français des contrats’,ActualitejuridiqueContratsd’affaires,Concurrence, Distribution(2016), p.112.
إن هذه الكلمة تعني باللغة الألمانية “قانون البروفيسور ” وهو كناية عن أن القاعدة القانونية ينبغي أن تكون نابعة من تفكير منطقي يقوم به المنظرون للقانون ويستعمل هذا المصطلح في مقابل مصطلح ألماني آخر هو ” jurist enrecht” وهو يعني قانون المحامي وهو يعني القانون كما يفهمه المتخصصون بتنفيذ القانون وتطبيقه وهو مصطلح يشير فيه الألمان إلى القانون الانكلو-أمريكي الذي يعتمد على السوابق القضائية أكثر من اعتماده على التنظير.(المترجم)
[39] استعمل النص الانكليزي التعبير الهولندي “bienetonnes de se trouver ensemble” الذي يشير توارد الأفكار بين الأشخاص دون أن يكون هناك اتفاق مسبق
[40]The famous ex Article 1134 of the (old) Civil Code no longer exists. The equally famous ex Article 1382 of the (old) Civil Code on tort liability was renumbered and is now Article 1240 of the Civil Code.
[41]On these principles, M. Mekki, RecueilDalloz(2016), p. 494.
[42]Ibid., p. 494.
[43]On which R. Susskind, Th e Future of Law (Oxford University Press, 1998).
[44]N. Rontchevsky, ActualitejuridiqueContratsd’affaires, Concurrence, Distribution (2016), p. 14–15, 18.
[45]See further, A. Bénabent and L. Aynes, ‘Réforme du droit des contrats et des obligations: apercu general’, RecueilDalloz(2016), p. 434.
[46]مفاد هذه المقولة الفرنسية أن الطبيعة البشرية والقواعد التي تحكم المجتمع البشري عصية على التغيير فكلما حاولت التغيير بقي هذه الأمور على حالها (المترجم)
[47]AlgemenebeleidsnotaJustitie 10 November 2015, Doc. KamervanVolksvertegenwoordigers, 54, 1428(2015/2016), www.dekamer.be/FLWB/PDF/54/1428/54K1428008.pdf, 44.
[48]E. Dirix and P. Wéry, ‘Pour unemodernisation du Code Civil’, Journal des Tribunaux (2015), p. 625. Seealso F. Peeraer and I. Samoy, ‘Th e Belgian Civil Code: How to Restore its Central Position in ModernPrivate Law?’, 24 European Review of Private Law (2016), p. 601; S. Stijns and S. Jansen, Th e FrenchContract Law Reform: Source of Inspiration? (Intersentia, 2016).
[49]E.M. Meijers, ‘Wijzigingenenaanvullingen van het BurgerlijkWetboekna 1838’, in P. Scholten andE.M. Meijers (eds.), GedenkboekBurgerlijkWetboek 1838–1938 (TjeenkWillink, 1938), p. 63.
* المقال مأخوذ عن مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 20
** يمكنكم تحميل المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا
المقدمة :
يعزو الكثيرون الدور المحوري الذي يضطلع به القانون الخاص في فرنسا إلى التقنين المدني [Code Civil] [2] الصادر عام 1804 والذي يسمى في كثير من الأحيان بقانون نابليون ‘Code Napoleon’. إن هذا التقنين يوصف بأنه دستور المجتمع المدني الفرنسي، ففي الوقت الذي يعتني فيه الدستور بوضع المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدولة والأفراد، يضع التقنين المدني المبادئ العامة الناظمة للعلاقات بين الأفراد فيما بينهم كاحترام الملكية والحرية التعاقدية وأحكام المسؤولية المدنية تلك المبادئ التي يقضي بها روح التقنين المدني الفرنسي[3].
ففي الفاتح من أكتوبر عام 2016 شهدت فرنسا تحول ثوري نسبي. حيث تم تعديل نظرية الالتزامات في التقنين المدني الفرنسي بشكل جوهري للمرة الأولى منذ صدور هذا التقنين. وستناقش هذه الورقة الإصلاحات والتي لم يقتصر مداها على رجال القانون في فرنسا فحسب، بل أثارت اهتمام الكثير خارج فرنسا. ولم يكن هذا بسبب التغييرات الجوهرية للتقنين نفسه بل أيضا بسبب الطريقة غير المعتادة التي تم اتباعها لتعديل رمز عمره 210 سنوات اسمه التقنين المدني: لم يكن التعديل بنص يتبناه البرلمان الفرنسي لكنه كان من خلال قرار حكومي (ordonnance). بعد استعراض دوافع وأصل الإصلاحات في المبحث الأول ومناقشة أهم الإصلاحات في القواعد قانونية الموجودة المبحث الثاني، فإننا سوف نطرح سؤالا في المبحث الثالث حول تقييم هذه الاصلاحات وفيما إذا كانت حققت الهدف المرجو منها أم لا. وفي النهاية سيكون واضحا لنا كيف أن هناك سببا جديا للشك في تحقيق هذه الإصلاحات لأهدافها.
المبحث الأول: منطلق الإصلاحات : تاريخها ومبرراتها
“يجب من حين لآخر إعادة النظر في ميدان، باتت فيه الاختلالات الكثيرة تشكل نوعاً من الفوضى”[4]. إن هذه الكلمات ليست من كلمات المشرع الفرنسي بل هي لإدوارد مارتيز ميجرس واضع مشروع التقنين المدني الهولندي لعام 1992. يرى ميجرس أن هذا المعنى هو ما يبرر تحديث التقنين باستمرار : إن تنظيم وتعزيز التطبيق القضائي لنصوص التقنين المدني في المحاكم يسمح للمشرع لاستعادة دوره القيادي الذي يملكه في الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية.إن هذا المبرر مع مبرر الرغبة في استبدال القواعد عديمة الفائدة بأخرى جديدة ، تفسر لنا قيام العديد من الدول بتعديل تقنيناتها التي ترجع أصولها إلى القرن التاسع عشر أو استبدالها بتقنينات جديدة. إن هذه الحقيقة هي التي أدت إلى محاولات غير ناجحة في فرنسا لتعديل التقنين المدني الفرنسي. إن هذا لا يعني عدم حصول أي تعديل على قانون الأسرة الفرنسي[5]أو لقواعد التأمينات العينية ، لكن نظرية الالتزامات المقدسة ظلت تقريبا نفسها كما كانت عام 1804. ربما كان التعديل الأكبر هو الذي حصل عام 2014 عند استبدال معيار رب الأسرة الحريص كمعيار للسلوك المعتاد الذي يتطلبه القانون بمعيار أكثر حيادية وأقل خيالا هو معيار الشخص المعتاد[6].
إن أصل إصلاحات 2016 يعود إلى الفترة التي أعقبت مباشرة الاحتفالات بالذكرى الـ200 لتشريع التقنين المدني الفرنسي[7]. في ذلك الوقت واجهت فرنسا اختبارا مؤلما . في عام 2004 وصلت أوربة[8] القانون الخاص إلى أعلى مستوياتها. لم يكن هذا بسبب التعليمات التي أصدرها المشرع الأوربيفي مجال قانون العقد ، بل بسبب أن هذه الأوربة قد توجت بعدد من المشاريع الأكاديمية. بناءا على ذلك فقد تم ،في ذلك الوقت ،إنجاز مبادئ قانون العقود الأوربي(PECL)[9] وتم إطلاق مشروع التقنين المدني الأوربي[10]. ضمن احتفالاتهم بعظمة تقنينهم فإن الفرنسيين كان عليهم الاستنتاج بأن هذا القانون الفرنسي لم يكن له أثر كبير على هذه التشريعات الأوربية. لقد كانت الحلول المطروحة في التشريعات الأوربية معتمدة على القانون الألماني أو القانوني الانكليزي أو على التقنين المدني الهولندي المعاصر لعام 1992 أكثر من اعتمادها على قواعد القانون الفرنسي التي يصل عمرها إلى القرنين. إضافة إلى ذلك فقد نشرت الطبعة الأولى من التقرير المشهور اليوم بـ “ممارسة الأعمال التجارية ” من البنك الدولي. لقد قام هذا التقرير بتصنيف الأنظمة القانونية بناءا على جذبها للتجارة الدولية وقد كانت فرنسا في المرتبة الرابعة والأربعين[11] . لقد خلقت هذه المستجدات زخما وإرادة سياسية لإصلاحات كبيرة في القانون الخاص في فرنسا. بالإضافة إلى تعزيز الثقة القانونية بالتشريع من خلال تقنين التطبيقات القضائية فقد كان المبرر الرئيسي للإصلاحات الحالية هو تطوير الجذب الذي يحظى به القانون الفرنسي على النطاق الدولي. كما أن مبررا آخر كان تنشيط ما يعرف بالعدالة العقدية من خلال تعزيز المركز القانوني للجانب الأضعف في العقد[12].
إن من الطرق التي تستعمل عادة في إصلاح تقنين مدني هي إعداد المسودة الأولى من الأكاديميين الحقوقيين وهي علامة على التعاون الوثيق في الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية بين الأكاديميين من جهة وبين السلطة التشريعية من جهة أخرى. إن هذا ما حدث في فرنسا بخصوص الإصلاحات محل البحث ففي عام 2005 نشرت لجنة برئاسة أستاذ القانون المتقاعد بيير كـَـتالا (1903-2012) مسودة لمشروع قانون التعديل[13]. ضمت اللجنة عددا لا يقل عن 37 عضوا من تخصصات مثلوا جميع تخصصات القانون الفرنسي الخاص وهو السبب الذي جعل المسودة فرنسية بحتة وخالية من الإشارة إلى قانون العقود الأوربي (PECL) أو حتى القواعد ذات الأصل الأوربي. في مقابلة هذا هذه المسودة فإن محاولة أكثر تقدمية لإصلاح التقنين المدني الفرنسي قد قدمت من أستاذ قانون آخر من جامعة باريس هو الأستاذ فرانسوا تيريه (ولد عام 1930)[14]. نشرت هذه المسودة عام 2008 من قبل وزارة العدل الفرنسية ذاتها[15] وشكلت أساسا للإصلاحات موضوع البحث.
إن من أهم الأسباب الرئيسية التي تدفع الأنظمة القانونية التي تتبع الشريعة اللاتينية لتقنين التشريعات هو السماح للسلطة التشريعية المنتخبة بشكل ديمقراطي من المشاركة في صناعة القانون. عكس ما يشير إليه المصطلح فإن التقنين لا يتضمن تقنين السوابق القضائية بل يتعداها إلى تبني العديد من الخيارات الأخرى كمستوى الحماية التي يجب أن يتمتع بها الطرف الضعيف في العقد ومدى الحرية التي تمنح للمحكمة في ذلك. عندما أعدت مسودة القانون المدني الهولندي فإن البرلمان الهولندي قد طلب منه الإجابة على خمسين سؤالا طرحت من ميجرس. غير أن الإجراءات الديمقراطية لها ثمنها فهي ليست بطيئة فحسب لكن البرلمان يجب أن يكون راغبا في الموافقة على التعديلات المقترحة. إن هذه الموافقة قد سببت إشكالية في فرنسا. لقد ظلت الآليات المناسبة التي يجب اتباعها في هذه الإصلاحات محل جدل طويل بين الحكومة والجمعية الوطنية (أحد ذراعي البرلمان ) من جهة وبين مجلس الشيوخ (الذراع الآخر للبرلمان ) من جهة أخرى. لقد كانت الحكومة والجمعية الوطني يفضلان الإصلاح من خلال تعليمات بينما كان مجلس الشيوخ مؤيدا لفكرة إصدار نص تشريعي جديد. إن وجهة النظر الأخيرة كانت مفهومة تماما حيث أن التقنين المدني الفرنسي يشكل دستور المجتمع المدني لذا سيكون تعديله من خلال التعليمات الحكومية أمرا مهينا. على أية حال فإن مجلس الشيوخ قد خسر الرهان فقد قدمت الحكومة عام 2013 مشروعا يستند إلى السلطات الخاصة التي منحتها إياها المادة 38 من الدستور الفرنسي[16] يسمح للحكومة تغيير نظرية الالتزامات في التقنين المدني الفرنسي. بحلول عام 2015 وبعد مواجهة طويلة بين ذراعي البرلمان الفرنسي تمت الموافقة على المشروع[17] الذي أطلق العنان للنقاش حول نصوص الإصلاح.
لم يكن هذا النص متعلقا بنظرية العقد فقط بل يتناول نظرية الالتزامات بصورة عامة كما يتناول قانون الإثبات أيضا. إن طرح النص للتشاور أمام الكافة أنتج أكثر من 300 رد مكتوب من جميع فعاليات المجتمع الفرنسي[18]. صدرت التعليمات في شباط من عام 2016[19].لا زالت التعليمات تحتاج مصادقة البرلمان[20]. لكن عدم المصادقة لا يمنع التعليمات من دخول حيز النفاذ في الأول من تشرين الأول 2016[21]. إن الإصلاحات القادمة وشيكة الوقوع ، فلقد نشرت مسودة أولى لإصلاحات في المسؤولية المدنية وستكون قانون ملزما عام 2017 [22].
المبحث الثاني : مضمون الإصلاحات: تعدد الخيارات
بعد انتهاء 200 سنة على تشريع التقنين المدني الفرنسي ، تبدو النصوص الجديرة بالتعديل في الكتاب الثالث من هذا التقنين غير منتهية. إن كل نص كتب منذ زمين بعيد يمكن إعادة كتابته بشكل جديد بينما يطور القضاء قواعد جديدة يمكن أن يتم تقنينها. على أية حال فإن هذا لم يكن الخيار الذي تبنته الحكومة الفرنسية التي قدمت لنا إصلاحات محدودة نسبيا تاركة الغموض يلتبس سبب اختيار نص دون آخر ضمن التعديل. إن الإصلاحات ترمي إلى واحد من ثلاثة أهداف
أولها تغيير القواعد القانونية الموجودة ،أما ثاني هدف فهو تقنين القانون الوضعيما توصل إليه القضاء والفقه ،وأخيرا قد يكون هدف الإصلاحات تقديم نصوص ذات طبيعة نظرية وتنظيمية لن يكون لها ذاك الأثر العملي على تطبيق القانون . سيكون كل من هذه المواضيع الثلاثة عنوانا لمطلب وكما يأتي :
المطلب الأول : تغيير القواعد القانونية سارية المفعول
لا شك أن الفئة الأولى وهي النصوص التي غيرت قواعد قانونية موجودة تعد الأكثر إثارة للاهتمام. من دون أن نهدف إلى مسح شامل لهذه الفئة فإننا سوف نحدد أربعة نقاط رئيسية سوف تعدل في القانون الفرنسي[23]أولها إلغاء السبب كشرط لصحة العقد. (المادة 1128 الجديدة من التقنين المدني ) ، وثانيها إلغاء الشروط التعسفية في كل أنواع العقود (المادة 1171 الجديدة في التقنين المدني ) وثالثها إمكانية إنحلال الرابطة العقدية أو تعديلها بناءا على الظروف الطارئة (المادة 1195 الجديدة في التقنين المدني ) و رابعها هو أن الحق في المطالبة بتنفيذ الالتزام يخضع إلى معيار المعقولية (المادة 1221 الجديدة في التقنين المدني ).
ربما يكون المظهر الأكثر ثورية ضمن الإصلاحات هو إلغاء السبب كركن في العقد . لحد الآن فإن النص السابق للمادة 1108 من القتنين الفرنسي القديم تضع أربعة أركان لانعقاد العقد وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب. لقد دمجت المادة الجديدة 1128 من التقنين المحل والسبب في ركن واحد عندما تطلبت أن مضمون العقد مشروعا ومحددا. يكمن السبب وراء إلغاء السبب بأن وظيفته في نظرية العقد ليست واضحة تماما بالإضافة إلى تداخله مع مبادئ أخرى في العقد مثل الانعقاد والغلط. بالإضافة إلى ذلك فقد غاب ركن السبب في مبادئ قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR)[24]. إن هذا المسلك الذي تبناه المشرع الفرنسي يجب أن يكون محل إطراء فالسبب في قوانين الشريعة اللاتينية بقي ثابتا لفترة طويلة بحيث يقتصر تبرير وجوده اليوم على الجانب التاريخي فقط[25]. لا زال العقد مع ذلك يجب أن يقع على محل قابل لحكمه موجود أو قابل للوجود وقت التنفيذ (المادة الجديدة 1163 من التقنين المدني ) كما لا زال من الممكن إبطال العقد لمخالفته للنظام العام (المادة الجديدة 1102 الفقرة الثانية من التقنين الجديد) .من الجدير بالذكر هو أن التقنين المدني الفرنسي ،خلافا لكل التقنينات الأوربية تقريبا،لم يعد يشير إلى الآداب العامة كأساس لإبطال العقد ،فهذه الأخيرة لا يشكل التعارض معها سببا لإبطال العقد ما لم تكن جزءا من النظام العام. إن هذا الاختلاف سيسبب بدوره اختلاف عمليا بطبيعة الحال.
التغيير المهم الثاني يمكن أن يوجد في المادة الجديدة 1171 من التقنين المدني. تنص الفقرة الأولى من هذه المادة (أي شرط في عقد نموذجي ينشأ عدم توازنا بين حقوق والتزامات الأطراف في العقد يعد كأنه غير مكتوب) لم يتضمن التقنين الفرنسي لحد الآن مثل هذا النص العام. لقد طبقت فرنسا بالطبع التوجيهات الأوربية ذات العدد 13 لسنة 1993 حول الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك[26]، بالإضافة إلى ذلك فإن التقنين التجاري الفرنسي يحتوي على حكم مشابه وإن كان تطبيقه نادرا جدا[27]، غير أن فرنسا لم تعرف لحد الآن نصا عاما حول الشروط التعسفية في العقود النموذجية لأي نوع من أنواع العقد النموذجي ( B2B,B2C,C2C) إن المسألة الآن هي مدى مساهمة تطبيق هذا النص على العقود التجارية في جاذبية القانون الفرنسي. لقد نصت المذكرة الإيضاحية ببساطة بأن المعايير التي وضعتها المذكرة الأوربية تعد نافذة على العقود التجارية. على أية حال فإن هذا يعد غير مرغوب فما ينشأ عدم توازن بين الحقوق والالتزامات سوف يحدد بشكل مختلف من حالة لآخرى في العلاقات التي تنشأ عن عقود B2B مقارنة بعقود الاستهلاك البسيطة التي تبرم بشكل يومي.
لقد أنهى التغيير الثالث للتقنين مرحلة مضت من التقنين الفرنسي. خلافا للعديد من القوانين وكذلك للقانون الإداري الفرنسي فإن القانون الفرنسي الخاص لا يسمح أبدا للقاضي أن ينهي أو يعدل العقد بناءا على الظروف الطارئة.[28] إن هذه المشكلة ليست بذاك الحجم الذي تظهر عليه للوهلة الأولى حيث تقضي العادات التجارية بأن أطراف العقد يستطيعون تضمين عقودهم ما يعرف بشرط القوة القاهرة ليتعاملوا مع آثار الظروف المتغيرة. لقد أبدى المشرع الفرنسي في الإصلاحات الجديدة رغبة في مساعدة الطرف المتضرر في حالة أثرت أزمة ما على العامة من خلال نص خاص يعالج الموضوع . تقضي المادة 1195 من التقنين المدني بأن المحكمة تستطيع إعادة النظر بالعقد أو حتى وضع نهاية للعقد في حالة (تغير ظروف غير منظور وقت إبرام العقد يجعل تنفيذه مرهقا بشكل كبير لطرف لم يكن ليقبل ما يترتب على هذا التغير من خطر). لقد كان هذا الابداع في القانون الفرنسي مستوحى من كل من قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR).
لقد قدمت المذكرة الإيضاحية هذا التغيير على أنه طريقة لمنع عدم التوازن الخطير بين التنفيذ المتقابل لأطراف العقد.[29] على أية حال فإن اللجوء إلى المحكمة ليس في متناول اليد بشكل فوري. على الأطراف أولا أن يعيدوا التفاوض حول البنود العقدية لكي تستطيع المحكمة النظر في الدعوى حيث لا تنظر الدعوى إلا إذا رفض الطرف الآخر إعادة التفاوض حول البنود العقدية أو إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى الاتفاق. لقد تضمن النص الجديد إذن واجبا على الأطراف لإعادة التفاوض من جديد كما هو موجود في المادة 6 : 111 من قانون العقود الأوربي.
بالإضافة إلى هذا التغيير فلقد استوحى المشرع الفرنسي التعديل الجوهري الرابع من قانون العقود الأوربي. لقد استوحى المشرع الفرنسي من الفقرة 2 (b) من المادة 9 : 102 من قانون العقود الأوربي حكما نص عليه في المادة 1221 الجديدة التي تمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ الالتزام ليس فقط في حال استحالة التنفيذ بل ايضا في حال (وجود عدم تناسب واضح بين تكاليف التنفيذ التي يتحملها المدين وبين المصلحة التي يحصل عليها الدائن) . بناءا على ذلك فإن دعوى التنفيذ سوف ترد في حال كون التنفيذ باهظا جدا على المدين أو في حال انعدام مصلحة الدائن في التنفيذ أو في حال كان دعوى المطالبة بالأضرار المترتبة على عدم التنفيذ تشكل تعويضا مناسبا للدائن. بالرغم من أن المذكرة الإيضاحية لم تأت بأمثلة على هذا الحكم لكن المثال الذي يبرز إلى الأذهان مباشرة هو الدعوى التي بنى فيها مقاول منزلا أقل ارتفاعا مما اتفق عليه الأطراف بـ 33 سم . بالرغم من أن المحكمة قد خلصت إلى أن هذا الاختلاف في الارتفاع لم يجعل من المنزل غير مناسب للغرض الذي أعد من أجله ، فقد استجابت المحكمة لدعوى التنفيذ وأرغمت المقاول على هدم المنزل وبناء منزل جديد[30].
المطلب الثاني : تقنين ما توصل إليه الفقه والقضاء
إن الطائفة الثانية من النصوص الجديدة كان الدافع إليها رغبة صانع القانون الفرنسي في تطوير الدقة القانونية. إن أغلب النصوص التي تندرج تحت هذا النوع هي تقنين للتطبيق القضائي أو تبني لحلول مقبولة بشكل واسع فقهيا لكنها لم تجد طريقها إلى التشريع.
إن مظهرا مهما من مظاهر نظرية العقد في القانون الفرنسي هو أن المشرع ومحكمة التمييز الفرنسية لم يضعا قاعدة صارمة بخصوص وقت إبرام العقد. إن كل القوانين التي تتبع الشريعة اللاتينية تعتبر لحظة وصول القبول للموجب هي لحظة ابرام العقد لكن القاعدة في ظل القانون الفرنسي أن هذا الأمر هو مسألة تستقل محكمة الموضوع بتقديرها في ضوء الظروف والإرادة المفترضة للمتعاقدين[31]. على أية حال فإن التطبيق القضائي الفرنسي يتجه إلى تطبيق نظرية الاستلام وهو ما نصت عليه المادة 1121 الجديدة من التقنين . تبنى التعديل الجديد أيضا عدة مبادئ حول انعقاد العقد. على سبيل المثال فقد قننت المادة 1112 الجديدة من التقنين التطبيق القضائي فيما يتعلق بقطع المفاوضات التي تسبق العقد;فقد أرست المادة 1112 في فقرتها الأولى قاعدة عامة حول الالتزام بالإعلام[32]وقضت المادة 1117 بأن الإيجاب يسقط حال انتهاء المدة التي حددها الموجب. في المقابل فقد عالجت المادة 1115 من التقنين المدني رجوع الموجب عن إيجابه قبل نفاذه فيما عالجت المادة 1116 رجوع الموجب عن إيجابه.
لقد أعيد تقنين أنظمة قانونية تم تطويرها على مدى المائتي سنة الأخيرة ، كنظام الوعد بالتعاقد من جانب واحد. (المادة 1124 الجديدة من التقنين المدني ) و حالات البطلان (المواد الجديدة 1178 وما بعدها بما فيها تقنين البطلان النسبي في المادة 1184) ، والعقود غير محددة المدة (المادة 1211 الجديدة من التقنين المدني)، و المسؤولية العقدية [33](المواد الجديدة 1217 وما بعدها من التقنين المدني بما فيها تعريف جديد للقوة القاهرة في المادة 1218 الجديدة) ، وإنقاص الثمن (المادة الجديدة 1223 من التقنين المدني ) وإنهاء العقد بطريقة الإعذار[34]( المادة 1224 الجديدة من التقنين المدني ). إذا ذهبنا خارج نظرية العقد فإن هناك قاعدة معاصرة آخذة بالتشكل تقضي بأن الملكية تنتقل بمجرد إبرام العقد( solo consensus: المادة 1196 الجديدة ) وأخرى تتعلق بالفضالة (negotiorumgestio : المادة 1301 الجديدة من التقنين المدني ).إن دعوى الإثراء بلا سبب والتي أقرتها محكمة التمييز الفرنسية في عام 1892[35] يمكن من الآن فصاعدا أن توجد في التقنين المدني ( المادة 1303 الجديدة وما بعدها من التقنين المدني ). أضيف بابان جديدان للكتاب الثالث للقانون تم تكريسهما للنظام العام للالتزامات (الباب الرابع –المواد 1304 وما بعدها من التقنين المدني ) بما فيها النصوص حول الالتزام المعلق على شرط ، حوالة الحق ، حوالة الدين، تجديد الالتزام، الإنابة في الوفاء ، الإعذار (المواد 1344 وما بعدها من التقنين المدني ) والباب الرابع –مكرر (المواد الجديدة 1353 وما بعدها من التقنين المدني ) والمخصص لإثبات الالتزام.
لقد تضمنت الإصلاحات نصوصا جديدة حول عيوب الرضا ، فإلى جانب الغلط والتغرير والإكراه (التي أعيدت صياغة النصوص المتعلقة بها ) قننت المادة 1143 الجديدة المبدأ القضائي المعروف بالإكراه الاقتصادي(violence economique). لقد كان هدف النص هو منع أي طرف من أن يكون مرتبطا بالتزام لشخص استغل الضعف الاقتصادي للطرف الأول. لقد أبدت الشركات الفرنسية تخوفها ،حين رأت مسودة هذه المادة بأن تمنح المحكمة سلطة واسعة في إبطال (نقض) هذه العقود. لقد سبب هذا بأن المادة 1143 ، في مسايرة للمادة 3.2.7 من مبادئ العقود التجارية الدولية ، قد وضعت شرطا وهو بأن يكون الطرف الذي يستغل حالة الضعف الاقتصادي للطرف الأخر قد حاز ” ميزة مفرطة بشكل واضح”. لقد قلل هذا الشرط الأهمية العملية لهذا النص.
بالإضافة إلى ما تقدم ، فقد جاءت الإصلاحات بقاعدة جديدة تتعلق بتفسير العقد. النص التقليدي المتعلق بالموضوع في التقنين الفرنسي هو المادة السابقة 1156 التي تنص على ” يجب البحث في النية المشتركة للأطراف المتعاقدين بدلا من التوقف عند المنعى الحرفي للكلمات”. لم تلغ الإصلاحات هذا النص لكن المادة الجديدة 1188 من التقنين المدني أضافت فقرة ثانية تنص على أنه وفي حال عدم إمكانية معرفة النية المشتركة “فإن العقد يفسر حسب المعنى الذي يضعه له شخص متوسط الصفات يوضع في نفس الظروف”. لقد جاء هذا مشابها لما نصت عليه مبادئ قانون العقود الأوربي (PECL) ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننة(DCFR). على أية حال فإن اللافت للنظر بأن مبدأ المعنى الواضح “clauses claires et précises” الذي تبنته محكمة التمييز الفرنسية عام 1872[36] قد تم تقنينه. تنص المادة الجديدة 1192 على أن “الشروط الواضحة غير الغامضة ليست محلا للتفسير لأن هذا سيعرضها لخطر التشوه”.
لا يحتاج أحد منا أن يكون مؤيدا قويا للهرمنيوطيقا الفلسفية لجادامير[37] لكي يدرك أن الكلمات لا يمكن أن تكون واضحة داخل النص أو خارجه. النص يحتاج دائما للتفسير فالمصطلح يكون غير غامض كنتيجة مثالية لعملية التفسير وليس قبلها.
المطلب الثالث : تعديلات يغلب عليها الطابع النظري
الصنف الثالث من التعديلات هي التعديلات ذات الطابع النظري والتنظيمي. لن يكون لهذه التعديلات أثر كبير على التطبيق القانوني ، لكنها تشكل دليلا على كيفية توجه التقنين الفرنسي نحو التقاليد القانونية الجرمانية حتى إلى المدى الذي وصف معه أحد الفقهاء التعديلات بوصفها (ProfessorenRecht)[38] ذلك الوصف الذي لم يكن يقصد به المدح. على سبيل المثال فإن الباب الثالث من الكتاب الثالث لم يعد يبادر في بدايته ودون تمعن إلى تعريف العقد (المادة القديمة 1101 من التقنين المدني)، لكنه يقدم اليوم المادة الجديدة 1100 حول مصادر الالتزام. تقضي هذه المادة في فقرتها الأولى بأن الالتزام ينشأ من التصرف القانوني أو الواقعة القانونية أو بسلطة القانون فقط. إن هذا تغير مثير للاهتمام عن تصنيف الالتزامات الذي بقي منذ كتب الفقيه الروماني جايوس كتيبه التعليمي “النظم” في سنة 170 ميلادية. بهذا النص التحق التقنين الفرنسي بشكل غير متفق عليه[39] بالتقنينات التي تضع مفهوما للتصرف القانوني مثل التقنين الألماني والتقنين الهولندي.
ولأجل تحقيق هذه الانعطاف نحو تقنين أكثر اعتمادا على الفكر فقد قننت ثلاثة مبادئ تتعلق بنظرية العقد في بداية الباب الثالث من الكتاب الثالث. بعد النص الجديد المتعلق بحرية التعاقد( المادة 1102 الفقرة الأولى من التقنين المدني ) ، احتل مبدأ القوة الملزمة للعقد (المادة 1103 الجديدة من القتنين المدني) مركز الثقل بينما امتد التطبيق التشريعي لمبدأ حسن النية (المعقولية والإنصاف ) إلى مرحلتي التفاوض وابرام العقد (المادة 1104 الجديدة من التقنينالمدني )[40]. لقد تضمنت السوابق القضائية قبولا واسعا لهذه المبادئ الثلاثة [41]. لقد وضع المبدأ القاضي بعدم اشتراط شكل معين لإبرام العقد في المادة 1172 الجديدة من التقنين المدني. إن هذه النصوص تبدو قديمة الطراز. إن الحرية العقدية لا زالت خاضعة للنظام العام (المادة 1102 الجديدة الفقرة الثانية من التقنين المدني )، لكن ، وعلى عكس ما كان الحال في مسودة الإصلاحات ، لم تتم الإشارة إلى لتأثير الحقوق الأساسية على علاقات الأشخاص الخاصة .ولعل هذا المجال قد حدثت فيه تطورات مثيرة للاهتمام جعلت من المحاكم في حاجة إلى دليل تسير عليه.
المبحث الثالث : تحول جذري أو تعديل قطعة بقطعة؟
يبقى السؤال مطروحا : كيف يمكن تقييم الإصلاحات في القانون الفرنسي ؟ هل قدمت لنا الإصلاحات تعديلات جديدة أو أنها كما يقال كلما غيرت في الشيء بقي الشيء نفسه؟ اذا نظرنا إلى الإصلاحات من وجهة نظر دولية ، فإنها ليست تلك الإصلاحات المثيرة. لقد تضمنت الإصلاحات إدامة متأخرة جدا لبعض غرف التقنين بدلا من تشييد بناء جديد للمستقبل يكون مناسبا للقرن القادم. يتكلم الكاتب الفرنسي ميكّي عن “فعل ذلك مرة أخرى دون تراجع”[42]. السؤال الأكثر أهمية يدور حول كون النصوص الجديدة قد حققت الإصلاح المطلوب للتقنين : هل ساهمت حقا في تعزيز مصداقية القانون ومدى جاذبية القانون الفرنسي على الصعيد الدولي؟
هناك شك قليل حول كون تقنين السوابق القضائية يساعد في فهم أفضل للقانون. إن معرفة القانون من خلال مجموعة مركزة وشاملة من القواعد المصاغة بعناية أسهل من معرفته من خلال سوابق قضائية متناقضة في بعض الأحيان وهي مرتبطة بظروف الدعوى. ولعل صانع القانون الفرنسي كان لديه نظرة قاصرة عن سلطاته. إن القانون يصنع دائما من خلال تفاعل معقد بين المشرع والسلطة القضائية والأكاديميين والقطاع الخاص. لن يكون أحد قادرا على معرفة القانون من خلال دراسة بعض النصوص التشريعية. أي شخص يرغب في زيادة الوضوح في القانون مع قناعة قانونية ، ينبغي عليه تطوير نظام معلوماتي يخبر الناس ومحاميهم حول مخرجات الدعاوى التي تحصل في الحياة [43]. ولحد الآن وبقدر تعلق الأمر بالتعديلات الأربعة فإن إلغاء ركن السبب يجب أن يصفق له ، لكن المادة الجديدة 1171 من التقنين المدني (حول الشروط التعسفية ) والمادة 1195 (حول الظروف الطارئة ) قد تعرضتا إلى الانتقاد بسبب كونهما يفتقدان إلى إرشاد متماسك حول كيفية وجوب تطبيقهما من قبل المحاكم بطريقة متسقة[44]. إن هذا الأمر يشكل مفاجئة صادمة: الإصلاح ليس مبنيا على نظرة واضحة لنظرية العقد لكنه مبني بالمقابل على مزج براغماتي بين الكفاية الذاتية والحماية والفاعلية[45].
هل يمكن أن تجعل هذه الإصلاحات التقنين المدني ذا جاذبية أكثر للمتعاقدين وللمشرعين على المستوى الدولي؟ هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نشك في ذلك. إننا نميل إلى الاعتقاد بأن الإصلاحات في نظرية العقد تكون ذات تأثير محدود على جذب نظام قانوني ما للتجارة الأجنبية. إن سرعة حسم النزاعات القانونية ، ونظام الضرائب والوصول إلى مصادر التمويل هي ما يكتسب الأهمية حسب ما يظهره تقرير “ممارسة الأعمال التجارية ” من البنك الدولي. إننا لن نضع التقنين الفرنسي المعدل في رأس قائمة النماذج التشريعية التي تشكل مصدرا لإلهام المشرعين حول العالم . إن نوعا من المفارقة يتمثل في كون ثلاثة أرباع (الابتكارات ) في الإصلاحات هي مستوحاة من مبادئ قانون العقود الأوربيPECL و ومسودة الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننةDCFRوهو ما يثبت لنا أن هناك نوعا من التعالي حين نعتبر القانون الفرنسي نموذجا تشريعيا وفقهيا لمجرد ان هذه النسبة من القواعد الأوربية مطبقة من قبل المشرع الفرنسي. على ما تقدم ، فإن الابتكارات الحقيقية في مشروع الإطار المرجعي للشريعة العامة غير المقننةDCFR ، كالقواعد التفسيرية لعوقد تجارية محددة مثل عقد الامتياز (الفرنشياز ) وعقد التوزيع، ليست ضمن الإصلاحات. إن تركيز الإصلاحات على نصوص مختصرة حول مواضيع تقليدية يجعل من التقنين الفرنسي محتفظا بصبغته اللاتينية. لقد كان هذا خيارا واعيا للمشرع الفرنسي وهو ما ينطبق عليه المثل الفرنسي plus ca change[46]
إن هذه الإصلاحات تشكل حافزا للبلدان التي تتبع النموذج الفرنسي لإعادة النظر في تقنيناتها. لقد شكل وزير العدل البلجيكي ست لجان لإعداد مشروعات حول إعادة النظر في التقنين المدني البلجيكي لجعله “عصريا يتمتع بالشفافية”[47]. إن هذا المنحى يتناغم مع الدعوات التي أطلقها رجال القانون والأكاديميون في بلجيكا[48]. ربما سينجح المشرع البلجيكي فيما عجز عنه نظيره الفرنسي وهو إنجاز مسودة مشروع تقنين عصري فعلا[49]. على أية حال ورغم انتقادنا فإن هذه الإصلاحات ستكون ما يتوجب على رجال القانون الفرنسيين أن يتعاملوا معه بعد عقد من غياب الرؤية حول مصير هذه الإصلاحات. إن سريان هذه الإصلاحات سيكون على العقود التي أبرمت بعد الأول من تشرين الأول 2016 .
•••••••••••••••••••••••••••••• الهامش ••••••••••••••••••••••••••••••
[1] *Maastricht Journal of European and Comparative Law* 23.6 (2016): 1040-1050.
http://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1023263X1602300607?journalCode=maaa
تمت الترجمة بتصرف من المترجم وذلك لاختلاف المباني والاستعمالات اللغوية بين اللغتين القانونية الفرنسية و الانكليزية من جهة وبين والعربية من جهة أخرى. (المترجم)
[2]تمت استعمال كلمة التقنين بدلا من القانون لأن النص الأصلي وتشريع نابليون استعملا كلمة (Code) وهي كلمة تدل على التقنين أكثر من دلالتها على القانون (المترجم)
[3] J.M. Smits, Contract Law: AComparative Introduction (Cheltenham, 2014)
[4]E.M. Meijers, ‘La réforme du Code Civil Néerlandais’, in E.M. Meijers, VerzameldePrivaatrechtelijkeOpstellendeel 1 (UniversitairePers Leiden, 1954), p. 161.
[5] قانون الأحوال الشخصية (المترجم)
[6]Article 26 of Law 2014–873 of 4 August 2014 on real equality between women and men (Loi No 2014– 873 (4 August 2014) pour l’egalitereelle entre les femmes et les hommes).
[7]See on the reform e.g., G. Chantepie and M. Latina (eds.), La reforme du droit des obligations (Dalloz, 2016); H. Barbier, ‘Les grandsmouvements du droit commun des contratsapresl’ordonnance du 10 Février 2016’, Revue trimestrielle de droit civil (2016), p. 247; B. Fauvarque-Cosson, ‘Towards an important reform of the French Civil Code’, Montesquieu Law Review (2015), p. 67.
[8]الأوربة هي جعل الشيء أوربيا (المترجم)
[9]Part 3 was published in 2003 see, O. Lando et al. (eds.), Principles of European Contract Law Part III (Kluwer, 2003).
[10]This project resulted in the Draft Common Frame of Reference (DCFR), C. Von Bar et al. (eds.), Principles, Definitions and Model Rules of European Private Law: Draft Common Frame of Reference (Sellier, 2009).
[11]World Bank, ‘Doing Business in 2004: Understanding regulations’, www.doingbusiness.org/~/media/WBG/DoingBusiness/Documents/Annual-Reports/English/DB04-FullReport.pdf. In the most recent edition of 2016, France is ranked 27th.
[12]Report to the President of the Republic on regulation nr 2016–131 (Rapport au President de la Republiquerelatif a l’ordonnance no 2016–131), JUSC1522466P, Journal Officiel, 11 February 2016.
[13]P. Catala, Avant-projet de reforme du droit des obligations et de la prescription (La Documentation française, 2006).
[14]F. Terré, Pour unereforme du droit des contrats (Dalloz, 2009).
[15]See on its genesis for example, D. Mazeaud, ‘La réforme du droit français des contrats’, Revue JuridiqueThemis (2010), p. 243.
[16]تقضب المادة 38 من الدستور الفرنسي بجواز طلب الحكومة تفويضا من البرلمان لمدة محددة لاتخاذ إجراءات تدخل في اختصاص القانون من أجل تنفيذ برنامج حكومي (المترجم).
[17]Act no. 2015–177 of 16 February 2015 on the modernisation and the simplification of law and procedures in the fields of justice and domestic affairs (Loi no. 2015–177 du 16 fevrier 2015 relative a la modernisation et a la simplification du droit et des procedures dans les domaines de la justice et des affairesinterieures), JUSX1326670L. Article 8 of this loid’habilitation gave the French government the mandate to modernize and simplify its contract law, the law of obligations and the law of evidence in Book III of the Civil Code (Code Civil), to make it more readable and accessible and to guarantee legal certainty and efficacy.
[18]Available through the website of the Ministry of Justice (Ministere de la Justice), www.justice.gouv.fr/modernisation-de-la-justice-du-21e-siecle-12563/la-reforme-du-droit-des-contrats-27898.html.
[19]French Ordinance on the law of contract, the general regime of obligations, and proof of obligations (Ordonnance no. 2016–131 du 10 fevrier 2016 portantreforme du droit des contrats, du regime general et de la preuve des obligations), JUSC1522466R, available through www.legifrance.gouv.fr. An English translation can be found at www.textes.justice.gouv.fr/dossiers-thematiques-10083/loi-du-170215-surla-simplification-du-droit-12766/traduction-de-lordonnance-du-10-fevrier-2016-en-langue-anglaise-28998.html. This translation was used when quoting the new provisions.
[20]Bill to ratify regulation Nr 2016–131 of 10 February 2016 on the reform of contract law, the general regime of and evidence of obligations (Projet de loiratifi ant l’ordonnance No 2016–131 du 10 fevrier 2016 portantreforme du droit des contrats, du regime general et de la preuve des obligations), JUSC1612295L (6 July 2016).
[21]Recent developments can be followed at the blog Reforme du droit des obligations, http://reformeobligations.dalloz.fr.
[22]See French Ministry of Justice, www.justice.gouv.fr/le-garde-des-sceaux-10016/consultation-publiquesur-la-reforme-de-la-responsabilite-civile-28940.html.
[23]An overview of the new provisions and the new numbering of the Civil Code can be downloaded as a supplement to the Dalloz Code Civil 2016: www.editions-dalloz.fr/livre-blanc-reforme-du-droitdes-obligations. The explanatory memorandum referred to below is the ‘Rapport au Président’ of 11 February 2016.
[24]اطلقنا مصطلح الشريعة العامة غير المقننة كترجمة لمصطلح (common law) وهو النموذج القانوني الذي تتبناه بريطانيا ومن يتبعها من الدول (المترجم)
[25]See further, J.M. Smits, Contract Law: A Comparative Introduction, p. 77 et seq.
[26]Council Directive 93/13/EEC of 5 April 1993 on unfair terms in consumer contracts, [1993] OJ L 95/29.
[27]Article L 442–6-I of the French Code of Commerce (Code de Commerce).
[28]Cass. Civ. 6 March 1876, D. 1876.I.93 (Canal de Craponne).
[29]See F. Auque, ‘L’Ordonnanceréformant le droit des obligations: les nouveaux articles 1171 et 1195 du code civil’, ActualiteJuridique Droit Immobilier (2016), p. 184.
[30]Cass. Civ. 11 May 2005, RTD Civ. 2005, 596 (Belhadji/Les Batisseurs du Grand Delta).
[31]See, J.M. Smits, Contract Law: A Comparative Introduction, p. 59 et seq.
[32]On which C. Grimaldi, ‘Quandune obligation d’informationen cache uneautre: inquiétudes a l’horizon’, RecueilDalloz (2016), p. 1009.
[33]Th e term ‘remedes’ is not used in the new regulation because it would too much resemble the common law terminology, see M. Mekki, ‘L’ordonnance no 2016–131 (…). Le volet droit des contrats: l’art de refaire sans défaire’, RecueilDalloz (2016), p. 494.
[34]هنا يكون الإنهاء من جانب واحد (المترجم)
[35]Cass. 15 June 1892 (Boudier/Patureau-Mirand), D.P. 1892.1.596.
[36]Cass. 15 April 1872 (VeuveFoucauld et Coulombe/Pringault), DP 72.1.176.
نصت المحكمة في هذا المبدأ (لا يجوز للمحكمة عندما يكون نص العقد صريحا أن تشوه الالتزامات الناشئة عنه معدلة وأن تعدل الشروط العقدية)(المترجم )
[37] هانز جورج جادامير ،فيلسوف ألماني ، يدعو في فلسفته إلى تجنب العادات العقلية عند تفسير النص واستكشاف التجربة الشخصية عند تفسير النصوص (المترجم)
[38]N. Rontchevsky, ‘Les objectifs de la réforme: accessibilité et attractivité du droit français des contrats’,ActualitejuridiqueContratsd’affaires,Concurrence, Distribution(2016), p.112.
إن هذه الكلمة تعني باللغة الألمانية “قانون البروفيسور ” وهو كناية عن أن القاعدة القانونية ينبغي أن تكون نابعة من تفكير منطقي يقوم به المنظرون للقانون ويستعمل هذا المصطلح في مقابل مصطلح ألماني آخر هو ” jurist enrecht” وهو يعني قانون المحامي وهو يعني القانون كما يفهمه المتخصصون بتنفيذ القانون وتطبيقه وهو مصطلح يشير فيه الألمان إلى القانون الانكلو-أمريكي الذي يعتمد على السوابق القضائية أكثر من اعتماده على التنظير.(المترجم)
[39] استعمل النص الانكليزي التعبير الهولندي “bienetonnes de se trouver ensemble” الذي يشير توارد الأفكار بين الأشخاص دون أن يكون هناك اتفاق مسبق
[40]The famous ex Article 1134 of the (old) Civil Code no longer exists. The equally famous ex Article 1382 of the (old) Civil Code on tort liability was renumbered and is now Article 1240 of the Civil Code.
[41]On these principles, M. Mekki, RecueilDalloz(2016), p. 494.
[42]Ibid., p. 494.
[43]On which R. Susskind, Th e Future of Law (Oxford University Press, 1998).
[44]N. Rontchevsky, ActualitejuridiqueContratsd’affaires, Concurrence, Distribution (2016), p. 14–15, 18.
[45]See further, A. Bénabent and L. Aynes, ‘Réforme du droit des contrats et des obligations: apercu general’, RecueilDalloz(2016), p. 434.
[46]مفاد هذه المقولة الفرنسية أن الطبيعة البشرية والقواعد التي تحكم المجتمع البشري عصية على التغيير فكلما حاولت التغيير بقي هذه الأمور على حالها (المترجم)
[47]AlgemenebeleidsnotaJustitie 10 November 2015, Doc. KamervanVolksvertegenwoordigers, 54, 1428(2015/2016), www.dekamer.be/FLWB/PDF/54/1428/54K1428008.pdf, 44.
[48]E. Dirix and P. Wéry, ‘Pour unemodernisation du Code Civil’, Journal des Tribunaux (2015), p. 625. Seealso F. Peeraer and I. Samoy, ‘Th e Belgian Civil Code: How to Restore its Central Position in ModernPrivate Law?’, 24 European Review of Private Law (2016), p. 601; S. Stijns and S. Jansen, Th e FrenchContract Law Reform: Source of Inspiration? (Intersentia, 2016).
[49]E.M. Meijers, ‘Wijzigingenenaanvullingen van het BurgerlijkWetboekna 1838’, in P. Scholten andE.M. Meijers (eds.), GedenkboekBurgerlijkWetboek 1838–1938 (TjeenkWillink, 1938), p. 63.
* المقال مأخوذ عن مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 20
** يمكنكم تحميل المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا