إبراهيم البعلي(*)
عرف المشرع المغربي
الوكالة في الفصل 879 من ق.ل.ع على أنها:
"عقد بمقتضاه يكلف
شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه..".
من هذا المنطلق يتضح أن الوكالة مشروعة بنص
القانون في إطار مبدأ التكافل الإجتماعي والتعاضد الانساني، وذلك لرفع المشقة وجلب
التيسير، لأن الأمر يستدعي أحيانا تكليف شخص أو عدة لإجراء أعمال مشروعة باعتبارها
كحقوق يمكن أن يمارسها الشخص الموكل، فكما خول القانون للموكل ممارسة حقوقه في
إطار احترام القانون والنظام العام والأخلاق الحميدة، فهو لم يحرمه من ممارسة
حقوقه عن طريق الغير مع ضرورة احترام الضوابط المذكورة سلفا، والالتزام بنطاق
تطبيق التوكيل كما هو مقرر قانونا.
غير أن الإشكال يطرح عندما يتعلق الأمر بأحكام
التوكيل في قضايا حساسة ولها الأثر الكبير على خلية المجتمع، أي قضايا الأسرة
والمقصود هنا حكم الوكالة في الطلاق، هذا الأخير الذي حرص فيه المشرع على أن لا
يكون مجالا للإتفاق نظرا لأهمية استقرار الأسرة وكفالة سعادتها وتحقيق هنائها، من
خلال اشتراط ضرورة التوصل الشخصي للإستدعاء وضرورة إجراء محاولة الصلح التي من
الممكن أن تؤتي أكلها وترجع التوازن إلى العلاقة الزوجية، وهذا ما يتبين من نصوص
مدونة الأسرة حيث لا نجد أي نص قانوني صريح فيها ينظم مسألة مشروعية التوكيل في
الطلاق، وبخلاف موقف المشرع نجد القضاء في عديد من قراراته يخول لأطراف العلاقة
الزوجية إمكانية الإعتماد على الوكالة في الطلاق وهو ما يمكن أن نعالجه بالبحث
والتحليل.
بناء على ما سبق يمكننا التساؤل عن موقف
القضاء المغربي من مسألة الوكالة في الطلاق ؟ وعن حدود سلطة القاضي في إجازة
الوكالة في الطلاق ؟
وهو ما يمكن أن نعالجه من خلال التوقف عند
وقائع وحيثيات قرار صادر عن محكمة النقض المغربية يحمل عدد 941 بتاريخ 24\12\2013.
المستفاد من خلال القرار المذكور أن الزوج
(المطلوب في النقض) تقدم بطلب للمحكمة الإبتدائية بالحسيمة يرمي من خلاله إلى
الحكم له بالتطليق من زوجته للشقاق، نظرا لوجود خلافات مما تعذر معه استمرار
العلاقة الزوجية، وبحكم إقامته في بلجيكا فإنه استعصى عليه الحضور لعدم تسوية
وضعيته مما جعله يقوم بتوكيل أخ له للقيام بإتمام إجراءات مسطرة التطليق، غير أن
إبتدائية الحسيمة كان لها موقف من مسألة الوكالة التي منحها الزوج لأخيه لمباشرة إجراءات
التطليق باسمه، حيث قضت في طلب الزوج بعدم القبول نظرا لعدم حضوره شخصيا وذلك
تفعيلا للمادة 81 من مدونة الأسرة التي
جاء فيها:
" تستدعي المحكمة
الزوجين لمحاولة الإصلاح .
إذا توصل الزوج شخصيا
بالإستدعاء ولم يحضر، اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه...".
والملاحظ أن الحكم الإبتدائي ارتكز على أساس
المادتين 81 و 82 التي تقضي بضرورة إجراء محاولة الصلح قبل الحصول على الإذن
بالإشهاد على الطلاق، وهذا بالفعل ما تتطلبه الحكمة والمنطق، بحكم ما لمحاولات
الصلح التي يجريها القضاء من آثار جد إيجابية على مصير العلاقة الزوجية، وهذا يتطلب
الحضور الشخصي للزوجين من أجل تبادل الحوار المباشر بينهما ومعرفة جوهر الخلاف، والتعرف
على مجموعة من النقط التي قد يبديها الزوجين والتي تكون لها أهمية خاصة، فجلسات
محاولة إصلاح ذات البين يمكن لها في كثير من الحالات أن تعيد المياه إلى مجاريها،
وتنقذ الرابطة الزوجية من الإنحلال، وهو التوجه الذي تبنته ابتدائية الحسيمة، غير
أن الزوج لم يرضى بحكمها ومارس حقه في الطعن بالإستئناف، حيث كان لمحكمة الإستئناف
بالحسيمة موقف مخالف تماما لما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية، ذلك أن الزوج كان
محقا في توكيل غيره للقيام بمباشرة إجراءات التطليق للشقاق، وليس هناك ما يقيد حقه
ذاك مادام قد تعذر عليه الحضور لجلسة الصلح لعدم تسوية وضعيته، الأمر الذي دفع
القرار الإستئنافي إلى إلغاء الحكم المستأنف وإرجاع الملف إلى نفس المحكمة
لاستكمال إجراءات الصلح، وهو القرار الذي تم الطعن فيه بالنقض من قبل الطالبة
(الزوجة) بعلة أن محكمة الإستئناف أساءت فهم وتطبيق المادة 82 من مدونة الأسرة
التي تقضي بوجوب حضور الطرفين شخصيا دون أي إشارة إلى وكالة في هذا السياق.
غير أن طلب الطعن بالنقض هذا ووجه بالرفض من
قبل قضاء النقض حيث زكى هذا الأخير الطرح الذي تقدم به القرار الإستئنافي، مشيرا
إلى أن الوكالة في الطلاق حتى لو لم يتم التنصيص عليها في مدونة الأسرة فإن هناك
إمكانية اعتمادها انفتاحا على الفقه المالكي الذي يجيز إعمالها، وذلك تطبيقا لنص
المادة 400 من نفس المدونة التي تنص على ما يلي:
" كل ما لم يرد النص
به في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والإجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق
قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف".
بناء
على ما سبق يتضح أنه يمكن اعتماد الوكالة في الطلاق كاستثناء، فمجال اعتمادها
ينبغي أن يحكم بالضرورة القصوى لتوفر المبرر الإستثنائي المعقول الذي يحول دون
حضور أحد الطرفين لجلسة الصلح، مما يستدعي الإستجابة لإمكانية اعتماد الوكالة في
الطلاق، والضرورات تقدر بقدرها، كما هو الشأن بالنسبة للقضية التي صدر بشأنها
القرار موضوع الدراسة، فتعامل القضاء مع القضايا التي يكون موضوعها طلاق بوكالة
ينبغي أن يكون مشددا وبكامل الحرص والإحتياط، لأن مساوئ اعتماد الوكالة في الطلاق
أكثر من محاسنها، ذلك أن فتح المجال لإعتمادها سيؤدي إلى القضاء على مؤسسة الصلح
وإفراغها من كل محتوى، والزيادة في نسبة الطلاق التي هي أصلا في ارتفاع مهول حيث
وصلت ل 100 ألف حالة سنة 2017.
* خريج الماستر المتخصص في المهن القضائية
والقانونية