ياسين بنقدور (*)
صادق المجلس الحكومي يوم 20 شتنبر من هذه
السنة على مشروع القانون رقم 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي، هذا
المشروع الذي تقدم به السيد وزير العدل، ويهدف إلى وضع إطار قانوني متكامل
لممارسة مهام الطب الشرعي، والتنصيص على المقتضيات القانونية الكفيلة بإعطاء
مصداقية أكبر للشواهد وتقارير الخبرة الطبية التي تعرض على القضاء في إطار
النزاعات التي يبث فيها، مما سيساهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتطويرها،
وتعزيز سياسة المغرب في مناهضة التعذيب وفقا للمعايير الأممية.
وقد اعتبر مشروع القانون أعلاه الأطباء
الشرعيين من مساعدي القضاء، ومتعهم بحقوق وألزمهم بواجبات تحت طائلة المساءلة
القانونية، وما يهمنا في مقالنا هذا هو دور القضاء في السهر على حسن سير مهام الطب
الشرعي، وسنحاول معالجة الموضوع من خلال التطرق لما
يلي:
أولا: رقابة وكيل الملك على السجل الخاص
بالمهام المسندة إلى الطبيب الشرعي:
لقد متع مشروع القانون الطبيب الشرعي بالاستقلالية في إبداء آرائه الفنية بشأن
القضايا التي تعرض عليه، ولم يجعل من هذه الاستقلالية حائلا دون مراقبة تأطير مهامه
من طرف المجلس الوطني للطب الشرعي وكذا من طرف الجهة القضائية التي انتدبته
لتوضيح النتائج والخلاصات التي توصل إليها (المادة 9 من مشروع القانون). فمن أجل ضبط عمل الطبيب الشرعي وتسهيل
الرقابة على أعماله؛ أحدث مشروع القانون المتعلق بالطب الشرعي سجلا يمسك بالوحدات
الطبية داخل المستشفيات وبالمختبرات التي تمارس مهام الطب الشرعي، وكذا مراكز الطب
الشرعي التابعة للجماعات الترابية، وهذا السجل خاص بالمهام المسندة إلى الطبيب
الشرعي في إطار الأبحاث والخبرات القضائية، وتضمن فيه كافة البيانات المرتبطة
بالمهمة التي عهد إليه بها ( المادة 15 ) وهذا السجل يخضع لمراقبة وكيل الملك
لدى المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرة نفوذها وحدة الطب الشرعي أو المختبر
الذي يمارس مهام الطب الشرعي (المادة 16).
ثانيا: وجوب إشعار الطبيب الشرعي للجهة
القضائية التي انتدبته حال تعذر قيامه بمهمته:
إن الطبيب الشرعي مادام مساعدا للقضاء
ومحلفا، فإن من واجباته الاستجابة لأوامر الانتداب الموجهة له من طرف السلطات
القضائية، وقد يحدث أن يحصل عائق يحول بينه وبين إنجازه المهمة المسندة إليه، وفي
الحالة هذه يجب عليه إشعار الجهة القضائية التي انتدبته، ولا يعفى من أداء
مهمته إلا بعد موافقتها. (المادة 25).
ثالثا: التنسيق بين الوكيل العام للملك ورئيس
النيابة العامة في الرقابة على الطب الشرعي:
ألزمت المادة 26 من مشروع قانون تنظيم الطب
الشرعي الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بإنجاز تقرير سنوي حول السير العام
لمهام الطب الشرعي داخل نفوذ دائرته القضائية، ورفع التقرير السنوي المشار إليه
إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
رابعا: ضرورة موافقة السلطة القضائية لتسليم
الطبيب الشرعي الجثة المشرحة إلى ذويها:
حسب المادة 32 من مشروع القانون المتعلق
بالطب الشرعي، فإن من مهام الطبيب الشرعي القيام بالتشريح أو أخذ العينات أو إدارة
المستشفى أو مستودع الأموات، وكذا تسليم الجثة التي قام بتشريحها إلى ذويها في
أحسن الظروف، غير أن قيامه بهذا التسليم يحتاج إلى موافقة من السلطة القضائية
التي أمرت بالتشريح.
خامسا: إلزامية رفع الطبيب الشرعي لتقريرين
إلى الجهة القضائية فور إنجاز عملية التشريح وقبل دفن الجثة:
عند إنجاز الطبيب الشرعي لعملية التشريح وقبل
دفن الجثة، فإنه يجب عليه رفع تقريرين إلى الجهة القضائية التي انتدبته، والتقرير
الأولي يشهد فيه الطبيب الشرعي بإجراء التشريح وملاحظاته الأولية، ليرفع بعد ذلك
تقريرا نهائيا، وكل ذلك ما لم يتعذر عليه القيام بهذا لأسباب موضوعية أو تقنية.
(المادة 34)
سادسا: إمكانية اعتراض السلطة القضائية على
نتائج تقرير الطبيب الشرعي:
يمكن للسلطة القضائية التي انتدبت الطبيب
الشرعي أن تأمر بكل ما تراه مناسبا لاستجلاء الحقيقة، بما في ذلك الاعتراض على
النتائج التي خلص إليها تقرير الطبيب الشرعي، وانتداب طبيب آخر أو أكثر لمباشرة
المهمة المطلوبة، أو تعرض الأمر على المجلس الوطني للطب الشرعي. (المادة 42)
سابعا: تعاون السلطة القضائية مع المجلس
الوطني للطب الشرعي:
نص مشروع القانون المتعلق بالطب الشرعي على
إحداث مجلس وطني للطب الشرعي، وتمتيعه بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي،
والهدف من إحداثه هو تنظيم عمل الطب الشرعي، ورفع مستوى وكفاءة العاملين به وتطوير
مهامهم لمساعدة العدالة. (المادتان 43-44) والمجلس الوطني هذا يقوم سنويا بإعداد
تقرير عن واقع ممارسة الطب الشرعي والتوصيات الكفيلة بالرفع من مستواه، ويرفع هذا
التقرير إلى جهات حكومية متعددة، كما يرفع أيضا إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض
والوكيل العام لديها، ويقوم الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك
لديها بالعمل على تفعيل التوصيات التي يصدرها المجلس الوطني للطب الشرعي.
(المادتان 46-47).
(*) نورالدين
مصلوحي. عدل متمرن وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط.