ذ.صالح لهمام (*)
مقدمة
لقد توخى
المشرع من خلال إصدار مدونة الحقوق العينية تقنين القواعد الفقهية المتعلقة بالملكية
العقارية و
الحقوق العينية بما يدرأ تعدد الأقوال و اختلاف التأويلات بشأنها و يجمع شتاتها و يحقق لها الإنسجام مع المنظومة
التشريعية القائمة كما توخى أيضا تأطير
هذه الملكية و هذه الحقوق سواء كان
موضوعها عقارا
محفظا او عقارا في طور التحفيظ أو عقارا غير محفظ تأطيرا قانونيا حديثا يمكنها من مواكبة التحولات التي تعرفها البلاد و قد عبر المشرع عن هذه الغاية منذ البداية حيث أشار في المادة
الأولى من هذه المدونة إلى أن مقتضياتها جاءت عامة تطبق على الملكية العقارية و الحقوق العينية
مالم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار [1].لكن مع كل هذا الحماس التشريعي و مع هذا السبق في التنظيم في الجانب المتعلق بالعقار غير المحفظ الذي لم يتحقق إلا بعد مخاض عسير فإن تعدد
الأنظمة العقارية بالمغرب لم يكن ليجعل
مهمة المشرع أمرا سهلا نظرا للخصوصيات التي تميز كل نظام عن الآخر و هو ما يتبين من خلال قراءة نصوص هذه المدونة
بحيث نجد المشرع أكثر من مرة يحتاج إلى
بيان النظام العقاري إلى جانب المقتضى
القانوني و ذلك باستعماله للصيغ التالية :
-إذا كان العقار محفظا .
-إذا كان العقار في طور
التحفيظ.
- إذا كان العقار غير محفظ.[2]
و من خلال هذه المساهمة سوف نحاول إبرازتأثير هذا التنوع و التعدد في الأنظمة العقارية على صياغة النصوص القانونية و سنقتصر في هذه المداخلة على أحكام الرهن
الحيازي و الرهن الرسمي في نقطة أولى على
أن نبحت أحكام عقد الهبة في نقطة ثانية.
المطلب الأول :اثر تعدد الأنظمة العقارية على صياغة احكام الرهن
الحيازي و الرهن الرسمي.
الفقرة الأولى: الرهن الحيازي.
أولا :الرهن الحيازي للعقار في طور التحفيظ.
لم يتناول المشرع العقار في طور التحفيظ بمناسبة تنظيمه لأحكام
الرهن الحيازي بحيث نجده في المادة 145 من
هذه المدونة يقر إمكانية رهن العقار
المحفظ رهنا حيازيا و ذلك انطلاقا من الإحالة
العامة على أحكام الرهن الرسمي حيث جاءت المادة 145 تنص على ″تسري على
الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ .″
و هو ما أكده أيضا في
المادة 149 من مدونة الحقوق العينية عند
سرد بيانات عقد الرهن الحيازي حيث تحدث
فقط عن ضرورة تضمن العقد لرقم الرسم العقاري .
أما بالنسبة للعقار غير المحفظ فإنه أقر إمكانية رهنه رهنا
حيازيا بموجب المادة 147 حيث نجده اشترط
معاينة الحوز إذا تعلق الرهن الحيازي
بعقار غير محفظ و جاءت المادة 147 تنص على
:″يجب أن يتضمن العقد معاينة حوز الملك
المرهون إذا كان غير محفظ و ذلك تحت طائلة البطلان ″
هذا التناول يجعلنا
نتساءل حول ما إذا كان العقار في طور التحفيظ مستبعد من إمكانية رهنه رهنا حيازيا ؟
طبعا لا يمكننا التسليم
بذلك لكن الطريقة التي تناول بها المشرع أحكام الرهن الحيازي هي التي دفعتنا لطرح هذا التساؤل .
قد يقول البعض بأن العقار
في طور التحفيظ هو بمثابة عقار غير محفظ مادام لم يؤسس له رسم عقاري لكن أعتقد أنه لا يمكننا أيضا التسليم بهذا
الحل و ذلك اعتبارا لما يلي :
1_ أن العقار في طور التحفيظ ليس هو العقار غير المحفظ بل هو في مرحلة انتقالية بين النظامين
هذه المرحلة تحكمها بعض المقتضيات الخاصة
بحيث يصبح للعقار المطلوب
تحفيظه و ضع قانوني متميز أطلق عليه البعض نظام ما قبل التحفيظ أو نظام شبه التحفيظ [3].
2_أن من خصوصيات هذا
العقار أنه يتمتع بنوع من الإشهار و
العلانية تدفعنا للتساؤل مع الرأي الذي
يقول بأن العقار في طور التحفيظ يندرج في إطار العقار غير المحفظ المنصوص عليه
بالمادة 147 هل يكفي في هذا النوع من
العقارات حوز الملك المرهون كما هو الحال
بالنسبة للعقار غير المحفظ أم أنه يتعين
إشهار ذلك و إيداعه بمطلب التحفيظ مع
العلم بأن المشرع في المادة 149 تحدث فقط عن رقم الرسم العقاري و لم يشر إلى ضرورة تضمن عقد الرهن لرقم مطلب
التحفيظ مع أن ذلك يعتبر شكلية
جوهرية و أساسية يتوقف عليها إيداع الرهن بمطلب التحفيظ .
لذلك يتبين واضحا بأن تنظيم المشرع لم يكن موفقا . و على سبيل
المقارنة فإن المشرع بمناسبة تنظيمه للرهن الرسمي أشار إلى ضرورة بيان رقم مطلب
التحفيظ في عقد الرهن من خلال المادة 175 .
ثانيا :معاينة الحوز.
اشترط المشرع معاينة الحوز بالنسبة للرهن الحيازي المتعلق
بالعقار غير المحفظ فقط كما اشترط أن
يتضمن العقد ذلك تحت طائلة البطلان و ذلك هو السبب بدون شك في اشتراط المحرر
الرسمي لتوثيق الرهن الحيازي و هو ما لم يتم استلزامه بالنسبة للرهن الرسمي أما بالنسبة للعقار المحفظ فهو أحال على مقتضيات
الرهن الرسمي بنص صريح هو المادة 145 و
بالرجوع إلى أحكام الرهن الرسمي المحال عليها
نجد المادة 187 الواردة ضمن النصوص المخصصة لأثار الرهن الرسمي تنص على :″يبقى
الملك المرهون تحت يد الراهن يستعمله و يستغله و يتصرف فيه دون المساس بحقوق الدائن المرتهن .″
بمعنى أن حيازة المرهون ليست لازمة عندما يتعلق الأمر بعقار محفظ و يكفي فقط
تقييده بالرسم العقاري .
و يبقى الإشكال قائما بالنسبة للعقار في طور التحفيظ هل يشترط فــيــه الحوز أم لا و هو التساؤل الذي طرحناه سابقا ؟
والإجابة عنه ستكون طبعا انطلاقا مما قلناه في النقطة الأولى من
أن العقار في طور التحفيظ له وضع خاص و لا
يمكن اعتباره مثل العقار غير المحفظ إذ بالرغم من استمرار خضوعه للأحكام العامة
التي تخضع لها العقارات غير المحفظة ما
دام لم يصدر قرا ر بتحفيظه فإنه مع ذلك
يجب الإعتداد ببعض مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري
و خاصة تلك المتعلق بإشهار التصرفات و الحقوق المقررة على هذه
العقارات لتحتفظ برتبتها عند تأسيس الرسم
العقاري وفقا لما هو منصوص عليه بالفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، بحيث أن كل
الحقوق التي لم يتم إعلانها أثناء مسطرة
التحفيظ سيتم تطهير العقار منها بمجرد
اتخاذ قرار التحفيظ .
بل أكثر من ذلك فإنه حتى إذا تمت حيازته فإنه يتعين العمل على إيداعه
بمطلب التحفيظ لذلك أعتقد أنه كان على المشرع أن يعتبران الإيداع في مطلب التحفيظ
يغني عن الحوز كما فعل بالنسبة للهبة خصوصا إذا علمنا بأن الفقه الإسلامي يعتبر
الرهن من عقود التبرع و هو الإعتبار الذي تأثر يه المشرع في صياغته للمادتين 152
المتعلقة بالرهن الحيازي و 178 المتعلقة بالرهن الرسمي حيث نص في المادتين معا على
أنه لا يجوز للاب أو الأم أو الوصي أو المقدم رهن أموال القاصر أو المحجور عليهم
إلا بإذن القاضي .
الفقرة الثانية :تأثير تعدد الأنظمة العقارية على صياغة أحكام الرهن
الرسمي.
أولا: تأثير تعدد
الأنظمة على آثار الرهن الرسمي و صحته.
1_ بالنسبة لآثار الرهن الرسمي.
أقر المشرع إمكانية الرهن الرسمي
بالنسبة للعقار المحفظ أو في طور التحفيظ
و ذلك من خلال مقتضيات المادة 165 التي جاء فيها :
″الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ و يخصص
لضمان أداء دين .″
لكن الملاحظ أنه إذا رجعنا إلى مقتضيات المادة 168 و 169 [4] من مدونة
الحقوق العينية نجد المشرع يتحدث فقط عن الرهن الرسمي المقيد بالرسم العقاري فقط الشيء الذي يفهم منه بأن ما ورد بالمادتين و هي آثار الرهن الرسمي لا تكون محققة إلا إذا تعلق الأمر بعقار محفظ و لا يمكن تصورها في العقار في طور التحفيظ و إن كان المشرع أقر إمكانية رهنه الشيء الذي يتعين معه القول بأن الرهن الرسمي
الواقع على عقار في طور التحفيظ هو
رهن اثاره معلقة على شرط واقف هو اتخاذ
قرار التحفيظ .
و حقيقة فإنه ليس بإمكان المشرع مخالفة
ذلك أو النص على غيره لأن ملكية المدين
الراهن بالنسبة للعقار في طور
التحفيظ ليست نهائية.[5]
قد يقول البعض بأن المؤسسات الدائنة لا
تقبل على منح الرهون بالنسبة لهذا النوع
من العقارات إلا إذا انتهى أجل
التعرض لكن مع ذلك فإن الإشكال يبقى
مطروحا طالما أن إمكانية التعرض خارج
الأجل تبقى متاحة . من خلال مقتضيات المادة 29 من ظهير التحفيظ العقاري ,
و بالتالي فإن الملكية قد تنتقل لفائدة
المتعرض إما كليا و إما جزئيا لذلك نجد المشرع قد تحفظ بخصوص اثار الرهن الرسمي عندما يتعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ .
2
_ بالنسبة لصحة الرهن.
يبدوتأثير وضع العقار هل هو محفظ أو في
طور التحفيظ على موقف المشرع بالنسبة
للرهن الرسمي جليا من خلال مقتضيات المادة
174 من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها :″ينعقد الر هن الإتفاقي كتابة برضى الطرفين
و لا يكون صحيحا إلا إذا قيد بالرسم
العقاري .″
هنا نتساءل هل الرهن المودع بمطلب التحفيظ ليس صحيحا ؟
أعتقد أن صياغة المشرع لهذه المادة لم
تكن موفقة فالرهن يعتبر صحيحا بمجرد اتفاق الطرفين و صياغة هذا الإتفاق في الشكل المقرر قانونا
لكن اثار هذا الرهن من ناحية إمكانية تحقيقه استنادا للشهادة الخاصة التي تعتبر سندا تنفيذيا هي التي تبقى معلقة على ضرورة تأسيس الرسم
العقاري و تقييده في المرتبة المعينة له علما بأن إيداع الرهن بمطلب التحفيظ لا يخول الحق في الحصول على الشهادة الخاصة كما هو الحال بالنسبة للرسم العقاري .الهم ما
يتعلق بالإستثناء الذي تضمنه مرسوم 17\12\1967 المتعلق بالقرض العقاري و القرض
الخاص بالبناء و القرض الفندقي [6] حيث
جاءت المادة 10 منه تنص في فقرتها الثالثة و الرابعة على :″ و يسلم المحافظ على
الأملاك العقارية شهادة عن تسجيل
الرهن إلى مؤسسة القرض المقبولة .
و بالرغم من مقتضيات الفصل 58 من ظهير
الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12غشت 1913) فإن المحافظ يسلم الشهادة ولو كان الأمر يتعلق بعقارات في طور
التحفيظ .″
وبخلاف مقتضيات المادة 174 نص
المشرع في المادة 175 الموالية على
:″يجب لصحة عقد الرهن الرسمي أن يتضمن
ما يلي :
_هوية أطراف العقد .
_تعيين الملك المرهون ببيان اسمه و
موقعه و مساحته و مشتملاته و رقم رسمه العقاري أو طلب تحفيظه(و المقصود مطلب
تحفيظه).″
فهذا التناقض بين المادتين يجعلنا نتساءل
هل تقرير صحة الرهن الرسمي يكون استنادا لمقتضيات المادة 174 أم استنادا لمقتضيات
المادة 175 .
ثانيا :أثر إقرار الرهن الرسمي للعقار
في طور التحفيظ على الرهن الإجباري و الرهن المؤجل.
نص المشرع في المادة 165 من مدونة الحقوق
العينية على :″ الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور
التحفيظ و يخصص لضمان أداء دين .″
ثم جاءت المادة 170 من مدونة الحقوق
العينية تنص على :″يكون الرهن الرسمي إجباريا
أو اتفاقيا.″
1_الرهن الإجباري.
بالرجوع
إلى أحكام الرهن الجبري نجد أن المشرع خول لكل من البائع أو المعاوض أو المتقاسم
إمكانية إجراء الرهن الجبري و ذلك من خلال المادة 172 من مدونة الحقوق
العينية التي تنص على :″يمكن أن يخول
البائع أوالمعاوض أو المتقاسم الذي لم
يضمن برهن اتفاقي الأداء الكامل
للثمن أو المدرك رهنا إجباريا على الأملاك محل البيع أو
المعاوضة أو القسمة بناء على حكم قضائي .″
إلى حدود اللحظة تبدو الأمور منسجمة و لا إشكال
لكن إذا تعذر على صاحب المصلحة إجراء الرهن الإتفاقي فإن المشرع خوله إمكانية لإجراء تقييد احتياطي
للحفاظ على رتبة التقييد إلى حين استصدار حكم قضائي بالرهن و ذلك بمقتضى المادة
173 من مدونة الحقوق العينية [7] و
نتساءل هنا إذا كان العقار في طور التحفيظ هل يمكن إجراء تقييد احتياطي ؟ طبعا
بالرجوع لظهير التحفيظ العقاري فإنه يقر التقييد الإحتياطي بالنسبة للعقار المحفظ فقط حيث جاء الفصل 85 من هذا الظهير ينص في
فقرته الأولى على :″يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للإحتفاظ به مؤقتا .″ وهو
ما تعارفت عليه كل الدراسات العقارية و إن
كانت بين الفينة و الأخرى تطالعنا بعض الأراء تقول بإمكانية إجراء تقييد احتياطي
على العقار في طور التحفيظ .و الملاحظة الأساسية هي أن إقرار المشرع لإمكانية رهن
العقار في طور التحفيظ رهنا رسميا لم تتم مراعاته بمناسبة تنظيمه لأحكام الرهن
الإجباري
2_الرهن المؤجل.
بالرجوع إلى المادة 184 التي تنص على :″إذا تعلق الرهن
الإتفاقي بقرض قصير الأجل فإنه يمكن تأجيل تقييده بالرسم العقاري لمدة لا تتعدى 90 يوما و لا يترتب عن هذا التأجيل فقد الدائن لمرتبته التي يبقى مكتسبا لها بشرط أن يتقيد
بالمقتضيات المبينة في المادة الآتية .″ نجد المشرع يتحدث فقط عن الرسم
العقاري بمعنى أن هذا الرهن بالرغم من
كونه رهن رسمي اتفاقي فهو يتعلق فقط بالرسوم العقارية و لا يمكن ان يكون محلا
للتطبيق عندما يتعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ
فالمشرع في الفصول المتعلقة بهذا الرهن استعمل مصطلحات و عبارات تهم الرسم
العقاري و مثال ذلك :
_ تأجيل التقييد بالرسم العقاري
(المادة 184)
_ نظير الرسم العقاري (المادة 185)
_يقيد حقه تقييدا احتياطيا (المادة
185)
الأمر الذي يشكل عدم انسجام مع مقتضيات
المادة 165 و المادة 170.
مع ملاحظة مهمة هي أن التنظيم الذي
أورده المشرع للرهن المؤجل في مدونة الحقوق العينية مخالف لذلك الذي كان مقررا في ظهير 2يونيو 1915
ووجه المخالفة هو أن ظهير 2يونيو 1915 كان يعتبره اعتراضا أما بالنسبة لمدونة الحقوق العينية فقد اعتبرته تقييدا احتياطيا و هو ليس كذلك لأنه في إطار النص القديم كان
تقييد الرهن يتم بأداء واجبات التقييد بحسب قيمة الرهن أما إذا اعتبرناه تقييدا احتياطيا فإنه يتعين أن تؤدى عنه واجبات التقييد
الإحتياطي و بالإضافة إلى ذلك فإن الآثار
التي تترتب على ذلك تختلف بحيث أن اعتباره بمثابة اعتراض كان يمنع على المحافظ
القيام باي تقييد و إذا طلب منه ذلك فإنه يقوم بداية بتقييد الرهن المؤجل الذي كان
قد استخلص بشأنه واجبات التقييد بداية و هي الآثار التي لا تتحقق إذا قلنا بأنه تقييد
احتياطي ..
المطلب الثاني: أثر تعدد الأنظمة
العقارية على صياغة أحكام عقد الهبة.
بداية يتعين القول بأن تناول المشرع
لهذا العقد بالتنظيم يعتبر أمرا مهما خصوصا
و أنه تعامل من خلاله مع مجموعة من المستجدات كرستها الممارسة العملية من خلال الأحكام و القرارات القضائية الصادرة
في الموضوع خاصة ما يتعلق بمسألة الحوز
القانوني و ما إذا كان يغني عن الحوز
المادي و معاينته من طرف العدلين و سنحاول في هذه النقطة بيان كيف تعامل المشرع مع هذا العقد في ظل تعدد الأنظمة
العقارية.
الفقرة الأولى :الحوز القانوني للهبة.
تنص المادة 274 من مدونة الحقوق
العينية على :″يغني التقييد بالسجلات العقارية
عن الحيازة الفعلية للملك المرهون
و عن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا إو في طور التحفيظ .″
أول ملاحظة هي أن المشرع تحدث في هذه
الفقرة عن التقييد بالسجلات العقارية إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ مع أنه عندما يتعلق الأمر بمطلب التحفيظ نتحدث عن الإيداع فقط و التقييد لا يكون إلا بالنسبة للرسوم العقارية .
و أعتقد أن المشرع كان عليه أن يلتزم
بذلك في صياغة هذا النص حتى يكون أكثر دقة و حتى يكون منسجما مع الإصطلاحات
القانونية و مع ما هو منصوص عليه بالفصل 83"و84
من ظهير التحفيظ العقاري اللذين يتحدثان
عن الإيداع .
كما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة
274 :″فإذا كان غير محفظ فإن إدراج مطلب تحفيظه يغني عن حيازته الفعلية و عن إخلائه .″
و من المعلوم أنه قبل تقديم مطلب
التحفيظ و إدراجه هناك بعض العمليات و
الوثائق التي يتعين الإدلاء بها و منها و ثيقة تموقع العقار أو ما يسمى REPERAGE
لدى مصلحة المسح العقاري حيث قد يتبين أن هذا العقار هو موضوع مطلب سابق وفي هذه الحالة سنكون أمام تعذر إدراج مطلب
التحفيظ و لا يبقى أمام الموهوب له سوى
تقديم التعرض .
و مما لا شك فيه أن طالب التحفيظ سيدفع
لا محالة بأن عقد الهبة المتعرض به لا يتضمن ما يفيد حيازة الهبة و معاينة الحوز و هو الأمر الذي يبقى ضروريا في
غياب تحقق الحوز القانوني بصوره المقررة من طرف المشرع ربما قد يحد الموهوب له الحل في الإشهاد على الحوز بعد ذلك في سند مستقل طالما أن الإشهاد بالحوز
لا يلزم تحققه وقت إنشاء الهبة لكننا
قد نصطدم بوفاة الواهب التي تعتبر مانعا يشترط تحقق الحوز قبله.
الفقرة الثانية : قبول الهبة.
.و دائما في إطار عقد الهبة نجد المشرع ينص في المادة 279 من مدونة الحقوق
العينية على :
″إذا توفي الواهب قبل ان يقبل الموهوب
له الملك الموهوب بطلت الهبة .
لا يعتد إلا بتاريخ تقييد إراثة الواهب
إذا تعلق الأمر بعقار محفظ .″
المشرع في هذه المادة اعتبر أجل قبول الهبة مستمرا إلى حين تقييد إراثة الواهب
بالرسم العقاري و هو ما يشكل خروجا على القاعدة التي تؤكد انتقال الحقوق لفائدة
الورثة بمجرد الوفاة فقط و التي تشكل استثناء على الأثر الإنشائي للتقييد بالسجلات
العقارية المنصوص عليها بالفصل 66و 67 من ظهير التحفيظ العقاري إعمالا لمقتضيات
المادة 324 من مدونة الأسرة التي جاء فيها :″يستحق الإرث بموت الموروث حقيقة أو
حكما و بتحقق حياة وارثه بعده.″ فهل
يعتبر ما ورد بالمادة 279 من مدونة الحقوق العينية تراجعا عن ذلك و بالتالي يتعين القول بأن واقعة الوفاة لم تعد
تشكل استثناء من الأثر الإنشائي للتقييد و ان الحق لا ينتقل للوارث إلا بتقييد
الإراثة بالرسم العقاري .أم ان ما ورد بهذه المادة يهم فقط عقد الهبة لا غير .
و أمام هذا الوضع فإنه يتعين التمييز فيما يتعلق بمسالة قبول الهبة
بين ما إذا كان العقار غير محفظ أو في طور التحفيظ حيت يتعين تحقق القبول قبل الموت الواقعي والحقيقي
و بين الرسم العقاري حيث يمكن قبول الهبة
و لو تحقق الموت الواقعي طالما أن الموت القانوني _إن صح التعبير _ لم يتحقق
بتقييد الإراثة بالسجلات العقارية .
و ارتباطا بذلك يتعين قراءة مقتضيات
المادة 273 التي تعرف عقد الهبة و التي جاء فيها :″الهبة تمليك عقار أو حق
عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض .″ على ضوء
مقتضيات المادة 279 فيما يتعلق بمسالة
التمليك في حياة الواهب .
و الملاحظ من خلال كل ما سبق
غياب نظرة شمولية أثناء صياغة النصوص
و عدم استحضار النصوص السابقة
عندما تتم صياغة اللاحقة منها خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الأحكام
المتقاربة أو المرتبطة.
•••• الهامش ••••
[1] و هو ما نص عليه المشرع في المادة الأولى من
مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها ″:″تسري
مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية
و الحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار
تطبق مقتضيات
الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1333(12أغسطس 1913)بمثابة قانون الإلتزامات و
العقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح و المشهور و ما جرى به العمل
من الفقه المالكي .″
[2] و كمثال على
ذلك أنظر المواد 145،147 ،274،279
295 ،299 304 و 305
[3] مامون الكزبري التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و
التبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء
الأول مطبعة النجاح الجديدة الطبعة
الثانية 1987 ص 38
[4] جاء في الماجدة 169 من
مدونة الحقوق العينية :″ كل رهن رسمي مقيد بكيفية منتظمة بالرسم العقاري يحتفظ برتبته و صلاحيته بدن أي إجراء جديد إلى ان يقيد الإبراء من الدين بكيفية منتظمة بالرسم المذكور.″
[5] جاء في قرار لمحكمة النقض :″إن مجرد وضع مطلب تحفيظ قطعة أرضية لا يفيد تملك طالب التحفيظ لها و تبقى خاضعة لأحكام الفقه الإسلامي ما لم يتم تأسيس الرسم العقاري .
إن إيداع الرهن
بمطلب التحفيظ في إطار الفصل 84 من ظهير
التحفيظ العقاري يعطي لصاحبه إمكانية
ترتيب هذا الحق في التسجيل و التمسك في
مواجهة الغير على أن يسجل هذا الحق في الرسم العقاري يوم التحفيظ .″
[6] جريدة رسمية عدد 2931 بتاريخ فاتح
يناير 1969 ص 2.
[7] جاء في المادة 173 من مدونة الحقوق العينية :″عند
الإستعجال يمكن لرئيس المحكمة في حالة
الرهن الإجباري أن يأمر بناء على طلب بإجراء تقييد احتياطي يبقى مفعوله ساريا إلى غاية صدور الحكم النهائي .″