ذ. عبد الحق الحطاب (*)
أولا: النص الكامل للحكم
المملكة المغربية
وزارة العدل
المحكمة الإدارية بالرباط
قسم القضاء الشامل
حكم صادر بتاريخ 16 فبراير
2012
ملف إداري عدد 2008-120
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
بتاريخ 24 ربيع الأول 1433 الموافق ل 16 فبراير 2012، أصدرت المحكمة الإدارية
بالرباط وهي متكونة من السادة:
-.................................رئيسا
-................................مقررا
-................................عضوا
- بحضور.......................مفوضا ملكيا
- وبمساعدة...................كاتب الضبط
الحكم الآتي نصه:
بين
السيد.............الساكن ب.............الجديدة
نائبه الأستاذ.....................المحامي بهيئة الرباط
من جهة
وبين
-
الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة بمكاتبه بالرباط
-
وزارة التربية الوطنية في شخص السيد وزير التربية الوطنية
-
وزير المالية بمكاتبه بالرباط
-
الوكيل القضائي للمملكة بوزارة المالية بالرباط
من جهة أخرى
الوقائع
بناء على القرار الصادر بتاريخ 20 يناير 2008 تحت رقم 222 في الملف عدد
20-1-2008 عن محكمة الاستئناف الإدارية والقاضي بإلغاء الحكم المستأنف وإرجاع
الملف إلى المحكمة الإدارية بالرباط لتبت فيه من جديد طبقا للقانون بعلة عدم تحقق
العلم اليقيني بالقرار ومصدره وأسبابه.
وبناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعي بواسطة نائبه بكتابة
ضبط هذه المحكمة بتاريخ 3 أكتوبر 2006 والمعفى من أداء الرسوم القضائية بقوة
القانون والذي يعرض فيه أنه اشتغل كمعلم تابع لوزارة التربية الوطنية رقم
تأجيره..............وأنه أصيب بمرض عقلي نقل على إثره إلى مستشفى.......بالدار
البيضاء حيث مكث به من 17 يناير إلى 25 يونيو 2001 فمنحه طبيبه المعالج شهادة طبية
وصف فيها المرض الذي ألم به، وهو المرض الذي يتوجب معه عناية مركزة والتوقف عن
العمل إلى حين الشفاء المطلق، وأنه بعث بالشهادة الطبية لوزارة التربية الوطنية
عبر البريد المضمون كما يشهد بذلك الوصل الصادر عن إدارة البريد ولم تتحسن حالته
الصحية وشفاؤه من المرض إلا في حدود أبريل سنة 2005 وتلقى شهادة طبية تشهد بذلك،
فعمل على إرسالها لوزارة التربية الوطنية، وأنه فوجئ بقرار عزله من الوزارة المدعى
عليها بتاريخ 10 أكتوبر 2001 يستند إلى تعمده الانقطاع عن مزاولته الوظيفة لكونه
لم يستجب للإنذار الذي تعذر تبليغه إليه في هذا الشأن بتاريخ 12 أكتوبر2001 والممنوح
له أجل لا يتعدى 7 أيام، ولم يبادر إلى استئناف العمل داخل أجل 60 يوما من تاريخ
اتخاذ قرار إيقاف الأجرة، رغم أنه لم يبلغ بالإنذار ولم يستدع بصفة رسمية وقانونية
لأي مجلس تأديبي، وصدر قرار العزل دون التأكد من التوقف والتمس الحكم بإلغاء قرار
العزل الصادر عن وزارة التربية الوطنية والمدرج تحت عدد.............في 5 دجنبر
2001 لمخالفته لمقتضيات القانون رقم 19-97 وإرجاعه لعمله وتمتيعه بكامل حقوقه منذ
تاريخ 17 يناير 2001 بما في ذلك أجرته الشهرية وامتيازات الترقية والمنح وكل
الامتيازات مع النفاذ المعجل والإكراه في الأقصى وتحميل المدعى عليها الصائر وأرفق
المقال بوثائق.
وبناء على المذكرة الجوابية المقدمة من طرف السيد الوكيل القضائي للمملكة عن
الجهة المدعى عليها بتاريخ 22 فبراير 2007 والذي يعرض فيه أن المدعي انقطع عن عمله
بدون أي مبرر قانوني و بتاريخ 5 فبراير 2001 وجهت له الإدارة إنذارا للالتحاق
بعمله داخل أجل سبعة أيام تحت طائلة عزله من أسلاك الإدارة طبقا لمقتضيات الفصل 75
مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، و نظرا لتعذر تبليغ الإنذار الموجه إليه
في العنوان المصرح به للإدارة، فقد عملت هذه الأخيرة على توقيف راتبه بتاريخ 18
شتنبر 2001، وأنه لم يستأنف عمله داخل الأجل المحدد في 60 يوما من تاريخ توقيف
الراتب، فقد تم عزله ابتداء من تاريخ انقطاعه عن العمل، فضلا عن ذلك فالمدعي يصرح
بأنه شفي من مرضه في شهر أبريل من سنة 2006، في حين أنه لم يتقدم بطعنه إلا بتاريخ
13 أكتوبر 2006، وأن القرار الصادر بعزله مشروع لكونه تخلى عن عمله بصورة إرادية وأنه
يوجد في حالة ترك الوظيفة ولا يمكن اصدار حكم بإرجاعه للوظيفة، وأن القاضي الإداري
ليس من صلاحيته إعطاء أوامر للإدارة، والتمس رفض الطلب.
وبناء على المستنتجات بعد الاحالة المدلى بها من طرف نائب المدعي بتاريخ 15
يوليوز 2008 والتي يعرض فيها أن الطاعن بعث بوثائق مرضه عن طريق البريد المضمون سنة
2002، وبما أنه لم يبلغ بقرار العزل، فإنه لا يمكنه اللجوء الى المسطرة للطعن في
اصدار هذا القرار، لأجله يلتمس الحكم وفق الطلب.
وبناء على المستنتجات بعد الإحالة المدلى بها من طرف الوكيل القضائي للمملكة
بتاريخ 17 ماي 2008 والتي يعرض فيها أن الادارة سلكت المسطرة القانونية في حق
الطاعن، وأنها عندما أصدرت قرارا بحذفه من أسلاكها لم تكن تتوفر على ما يبرر تغيبه
عن العمل والتأكد من كونه في حالة صحية وذهنية غير مستقرة خلال عزله عن العمل.
وبناء على تقرير الخبرة المودع بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 8 دجنبر 2010 والذي
خلص فيه الخبير المعين من قبل المحكمة من فحص الطاعن وتحليل المعلومات المتوفرة من
ملفه الطبي أنه كان في حالة صحية وذهنية غير مستقرة خلال عزله عن العمل سنة 2001.
وبناء على عرض القضية بجلسة 12 يناير 2012، تخلف خلالها نائبا الطرفين رغم
سابق الإعلام، اعتبرت المحكمة القضية جاهزة وأعطيت الكلمة للسيد المفوض الملكي
الذي أكد مستنتجاته الكتابية فتقرر وضع القضية في المداولة قصد النطق بالحكم الآتي
بعده.
التعليل
وبعد المداولة طبقا للقانون
من حيث الشكل:
حيث دفعت المدعى عليها بكون الطعن في قرار العزل مقدم خارج الأجل لكون الطاعن
يصرح في مقاله المؤرخ في 3 أكتوبر 2006 بأنه شفي من مرضه العقلي في شهر أبريل من
سنة 2006 التاريخ الذي وجه فيه الشهادة الطبية للإدارة.
وحيث إن علم الطاعن بالقرار ليس بالملف ما يفيد تحققه بدقة حتى يبدأ سريان الأجل
مما يكون معه طلب الإلغاء قد قدم داخل الأجل الذي يبقى مفتوحا طالما أن العلم
اليقيني بالقرار يلزم أن يكون يقينيا وحقيقيا لا ظنيا واحتماليا وأن يكون شاملا
للقرار ومصدره وأسبابه وظروفه، ولا يمكن بتاتا أن يتحقق ذلك فقط من خلال شهادة
الشفاء.
حيث بذلك يكون الطلب مقدما وفقا للشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه قبوله
شكلا.
من حيث الموضوع:
حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن
ذلك من آثار قانونية.
وحيث إن الحالة النفسية و العقلية التي يعاني منها الطاعن والمثبتة بخبرة
قضائية طبية مأمور بها من طرف المحكمة وغير منازع فيها، والتي ترتب عنها صيرورته
في وضعية لا يمكنه معها الاستجابة لطلب الإنذار الموجه إليه من قبل الإدارة في
إطار الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يجعل تركه للوظيفة
كان اضطراريا وليس إراديا لكون المرض العقلي هو مرض يرقى إلى درجة القوة القاهرة،
مما يكون معه قرار العزل المتخذ في حقه على أساس ترك الوظيفة حسب الثابت من اجتهاد
محكمة النقض مشوبا بتجاوز السلطة وموجبا للإلغاء (قرار المجلس الأعلى عدد 57
بتاريخ 21 فبراير 2007 في الملف رقم 5-06-09) خاصة وأن من أخلاقيات الإدارة السؤال
عن موظفيها والبحث عن سبب تغيبهم و الاطمئنان على وضعيتهم التي قد تؤثر بصفة
نهائية على مسار الحياة الوظيفية، لأن العلاقة هي علاقة نظامية وليست تعاقدية.
وحيث إن وضوح المركز القانوني للطاعن يحتم الحكم بإلغاء القرار الإداري
المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية ومقتضيات
قانون المسطرة المدنية.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بقبول
الطلب
وفي الموضوع: الحكم
بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعلاه.
الرئيس
المقرر
كاتب الضبط
ثانيا: التعليق
إذا كان الاتجاه الفقهي المناصر بشقيه التقليدي والحديث لنظرية استقلالية
القانون العام عن القانون الخاص قد لاقى بالفعل انتشارا واسعا منقطع النظير، فإن
الواقع الحالي بمناسبة الممارسة القضائية للنصوص التشريعية أثبت مع مرور الزمن وخصوصا
بعد مجيء الدستور المغربي الجديد مدى انحساره إلى حد كبير. وكنموذج حي على ذلك ما تضمنه
حكم المحكمة الادارية بالرباط عند البت في الملف عدد 120-2008 بتاريخ 16 فبراير
2012.
فبمجرد الاطلاع السطحي على حيثياته، يتضح جليا أن الحكم المذكور يشكل في جوهره
دليلا قاطعا على عدم إمكانية التخلي أو الاستغناء الكلي عن القواعد العامة
المعروفة في المجال القانوني الخاص، حتى وإن استدعت ظروف وطبيعة النازلة المرتبطة
بطلب إلغاء قرار عزل موظف، التطبيق المحض لمقتضيات القانون رقم 41-90 المحدث
للمحاكم الإدارية والنظام الأساسي المتعلق بالوظيفة العمومية المعمول به منذ سنة
1958.
وهكذا، يمكن القول أن المحكمة الادارية بغية حل النزاع المعروض عليها استعانت
بمجموعة من الاسس التشريعية التي يسري مفعولها على مستوى القانون المدني، وبالتالي
فالأخيرة كانت لها قوة ذات تأثير مباشر ووازن في الدعوى وفي تكوين القناعة الراسخة
لدى الهيئة الحاكمة عند التعبير عن موقفها تبعا للسلطة التقديرية الممنوحة لها.
وحتى نستطيع رصد وتبيان الأهمية القصوى التي احتلتها تلك القواعد العامة في
اجتهاد المحكمة الادارية بالرباط، من اللازم الانكباب على الدراسة العميقة لفحوى
الخلاصة المتوصل إليها من خلال مقاربة مزدوجة تعتمد على رؤية تحليلية ونقدية في
نفس الوقت.
في اعتقادنا، نرى أن الاجتهاد الذي استقرت عليه المحكمة الادارية بالرباط
ينطوي على وجهين متناقضين أحدهما إيجابي والآخر سلبي. فمن ناحية أولى، أكد على
الدور الحاسم الذي لعبته الاجراءات المسطرية المرتبطة بالتبليغ (المبحث الأول)،
بينما حاول التوسع في مفهوم القوة القاهرة من ناحية ثانية (المبحث الثاني).
المبحث الاول
جوانب رجاحة الحكم بشأن التأكيد على الدور الحاسم
لإجراءات مسطرة التبليغ المنبنية على تحقق عنصر العلم اليقيني
لا شك في أن العلاقة القائمة بين الإدارة والموظف مهما كانت صفته المهنية أو
درجة تصنيفه حسب السلم هي ذات طابع نظامي وليس تعاقدي، ومن ثمة فقد خصها المشرع
المغربي بأحكام فريدة على مستوى قانون الوظيفة العمومية الصادر سنة 1958 المعدل و
المتمم بالعديد من المقتضيات في فترات متعاقبة لاحقا.
ولئن كانت تلك الرابطة ممتدة زمنيا، فان استمرارها العادي يتوقف على الاحترام
الدقيق والصارم للالتزامات المتبادلة بين طرفيها معا، وهذا يعني احتمال اثارة
قواعد المسؤولية كلما ثبت أن هناك اخلال عند تنفيذها.
ومن هنا تظهر أهمية إجراءات مسطرة التبليغ التي استحضرتها المحكمة الإدارية في
صلب موضوع النزاع. لذلك نتفق جملة وتفصيلا مع ما ذهبت إليه نظرا للعوامل الآتية:
1-أنه
من المعروف أن دعوى الطعن لأجل إلغاء قرار إداري أجل محدد في 60 يوما من تاريخ
تبليغ المعني بالقرار أو نشره أو علمه به علما يقينيا وذلك طبقا لأحكام المادة 23
من قانون المحاكم الإدارية.
غير
أن هذا الأجل يمكن تمديده مرتين فقط ولنفس المدة عن طريق توجه تظلم لمصدر القرار
حيث يفتح أجل جديد للطعن قدره 60 يوما من تاريخ توجيه التظلم إلى مصدر القرار على
أساس أن يقدم المعني بالأمر دعواه إلى المحكمة الإدارية (بعد توجيه التظلم) إما
داخل أجل 60 يوما الموالية لجواب الإدارة أو داخل أجل 60 يوما الموالية لانقضاء
أجل 60 يوما المالي لتاريخ توجه التظلم.
ليبقى
بعد ذلك الطعن المقدم خارج هذا الأجل طعن غير مقبول.
لكن
يمكن اعتبار بعض الأسباب القاهرة مانعا لممارسة دعوى الطعن داخل آجالها القانونية
حيث ينطلق الأجل القانوني من جديد في الاحتساب بمجرد زوال المانع، ومن بينها حالة
المرض العقلي أو النفسي. ذلك، أن مسطرة قرار عزل الموظف هي إجراء تقني يتعين معه
بالنسبة للإدارة المدعى عليها (وزارة التربية الوطنية) القيام مسبقا بإرسال إنذار
موجه للشخص المعني أي الموظف (المدعي) تطبيقا للفصل 75 مكرر من النظام الاساسي
للوظيفة العمومية وأي طريقة أخرى للتبليغ تبقى غير مقبولة.
ومتى تحقق عنصر العلم اليقيني
بالقرار الإداري، آنذاك يشرع في احتساب أجل الطعن بالإلغاء، وأمام عدم ممارسة
الطعن يصبح القرار الصادر عن المرفق العمومي مشروعا وصحيحا من الزاوية القانونية.
بالفعل، دأب العمل
القضائي المغربي على تطبيق هذه القاعدة في عدة مناسبات، إذ جاء مثلا في حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1236
صادر بتاريخ 23 نونبر 2004 ملف عدد 402/02 غ ما يلي: "حيث
يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الصادر عن الإدارة العامة للأمن الوطني تحت
رقم 30644، القاضي بعزل الطاعن عن عمله مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.
وحيث دفعت الإدارة
المطلوبة في الطعن بعدم قبول الطلب لوقوعه خارج الأجل القانوني.
وحيث إنه طبقا لما تنص
عليه مقتضيات المادة 23 من القانون رقم 90.41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية،
فإن طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة يجب أن
تقدم داخل أجل ستين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني
بالأمر. ويجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا قبل انقضاء الأجل المذكور، تظلما من
القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه. وفي هذه الصورة، يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة
الإدارية داخل أجل ستين يوما يبتدئ من تبليغ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الإداري
كليا أو جزئيا، وإذا التزمت السلطة الإدارية المرفوع إليها التظلم الصمت في شأنه
طوال ستين يوما اعتبر سكوتها عنه بمثابة رفض له، وللمعني بالأمر حينئذ أن يطعن في
ذلك أمام المحكمة الإدارية داخل أجل 60 يوما يبتدئ من انقضاء مدة الستين يوما
المشار إليها أعلاه.
وحيث إنه من الثابت من
أوراق الملف، أن الطاعن بلغ بالقرار المطعون فيه بتاريخ 14/7/2003، كما يثبت ذلك
محضر التبليغ المنجز من طرف رئيس المصلحة الإدارية الجهوية بطنجة والموقع من طرف
الطاعن و يتضمن في صلبه نص القرار بجميع أجزائه وبناءاته، ويشير في آخره إلى تصريح
المعني بالأمر بأنه بلغ بمضمون القرار المذكور وعلى أساسه تم عزله بسبب مغادرة
العمل مع تسليم عهدته كاملة .
وحيث يستفاد من ذلك أن
الطاعن قد علم بمحتويات القرار المطعون فيه علما تاما وتبين مركزه القانوني منه،
مما يجعل من التبليغ المنجز على هذا النحو تبليغا صحيحا على خلاف ما تمسك به في
مذكرته التعقيبية، وبالتالي كان يجب عليه تقديم طعنه أمام هذه المحكمة قبل انصرام
أجل ستين يوما على ذلك التبليغ أي قبل 14/9/2003، طالما أنه لم يتم قطع أجل الطعن
بتوجيه تظلم من القرار إلى الإدارة المطلوبة في الطعن، إلا أنه بالرجوع إلى مقال
الدعوى يتضح أنه لم يقدم إلى هذه المحكمة إلا بتاريخ 14/11/2003، أي خارج أجل
الستين يوما المنصوص عليه في المادة 23 أعلاه.
وحيث إنه تبعا لما ذكر،
يكون تقديم الطلب والحالة هذه، قد جاء خارج الأجل القانوني، ويتعين بالتالي الحكم
بعدم قبوله لهذه العلة ".
كما أن عنصر العلم
اليقيني بالقرار الإداري يستمد قضائيا أيضا من لجوء الطرف المعني من خلال التظلم
الذي يرفعه إلى الإدارة، وبالتالي فاستفادته من هذه المسطرة يتيح للمحكمة من بسط
رقابتها على مسألة مشروعية القرار من عدمها.
وبناء على ذلك، فقد قضى
قرار المجلس الأعلى سابقا في قراره رقم 23 الصادر في 8 ماي
1970 بأنه: "حيث يجب اعتبار كتاب وزير الداخلية المؤرخ في 23 ماي 1968 والذي
أخبر فيه المدعي لأول مرة باستحالة مراجعة وضعيته الإدارية لعدم رجعية ظهير العفو
الصادر في حقه، هو المقرر الإداري الذي أثر بذاته مباشرة في الوضعية القانونية
للطالب وذلك باعتراف الإدارة نفسها.
وحيث إن الإدارة تدعي أن
هذه الرسالة بلغت للطالب بتاريخ 25 ماي 1968 بحجة أن رسالة صادرة في 22 أبريل 1969
من عامل إقليم مكناس إلى وزير الداخلية تثبت تسلم المعني بالأمر – بذلك التاريخ –
بنسخة من المقرر المطعون فيه، الشيء الذي ينكره الطالب.
وحيث إن هذه الوثيقة لا
تنهض حجة كافية في النازلة طالما لم تعزز بشهادة تسليم مذيلة بإمضاء صاحب الشأن وأن
عدم أخذ هذه الرسالة بعين الاعتبار تبرره بصفة عامة رغبة تجنب اعتماد الوثائق
الخاصة بالخصومة والمنشأة من قبل الإدارة وحدها في وقت لاحق لإقامة الدعوى
للاحتجاج بها لصالحها في نزاع هي طرف فيه.
وحيث إنه كانت الإدارة –
التي يقع على عاتقها عبء الإثبات – لم تدل بما يثبت قانونا تاريخ تبليغ المقرر
المطلوب إلغاؤه، إلا أنه من الثابت أن المدعى كان على علم بهذا المقرر علما يقينا
في الثاني والعشرين من أكتوبر 1968 وهو اليوم الذي قدم فيه تظلمه التمهيدي ضد
المقرر المذكور مشيرا إلى تاريخه وفحواه، ومثل هذا العلم اليقيني يقوم مقام
التبليغ، مما يستتبع أن التظلم التمهيدي قدم داخل الأجل القانوني".
وبعد مرور سنوات طويلة، لا
زال الاجتهاد القضائي ببلادنا محافظا على نفس التوجه، بحيث نجد على سبيل الذكر أن
حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 17 صادر بتاريخ 3 يناير 2008 ملف
عدد 349/07 غ صرح بما يلي: " حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الصادر
عن المدير العام لإدارة الجمارك بعزل الطاعن ابتداء من 04/12/1999 مع ترتيب الآثار
القانونية على ذلك.
وحيث
دفعت الإدارة بعدم قبول الطلب لتقديمه خارج الأجل القانوني طالما أن الطاعن سبق أن
تقدم بعدة تظلمات منذ سنة 2002 وانتظر إلى غاية 23/8/2007 لتقديم الطعن الحالي.
وحيث
بمقتضى المادة 23 من القانون 90.41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية، فإن طلبات إلغاء
القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية ينبغي أن تقدم داخل 60 يوما من التوصل بها
مع إمكانية تمديد الأجل في حالة التظلم منها.
وحيث
لئن كان المشرع قد جعل نقطة احتساب أجل الطعن ابتداء من نشر القرار أو تبليغه
للمعني بالأمر، فإن الاجتهاد القضائي جعل العلم اليقيني به محققا لنفس الغاية
والآثار طالما كان مستجمعا لعناصره.
وحيث
إن الثابت من وثائق الملف أن الطاعن سبق أن تظلم لدى الإدارة منذ 21/11/2006
مستدلا بشهادة طبية صادرة بتاريخ 25/11/2002 تفيد قدرته على استئناف نشاطه المهني،
دون أن يتلقى منها أي رد، الشيء الذي يكون التظلم قد استنفذ آثاره منذ 21/03/2007
باعتباره آخر أجل للطعن، الشيء الذي يجعل من التظلم المؤرخ 14/06/2007 غير منتج في
تمديد أجل الطعن الذي يكون قد انصرم منذ 21/03/2007، مما يجعل الطلب المقدم في 23/08/2007
قد جاء خارج الأجل القانوني، ويتعين الحكم بعدم قبوله ".
كما خلص حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 342 صادر بتاريخ 14 فبراير
2008 ملف عدد 1211/06 ش إلى نفس الاستنتاج اعتمادا على الحيثيات التالية: " وحيث يهدف الطلب إلى الحكم بأحقية المدعي في إدماجه في
إطار مفتش المالية السلم 10 ابتداء من حصوله على الإجازة في الحقوق في
17/7/1987، مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.
وحيث دفعت الإدارة بعدم قبول الطلب نظرا لتحصن وضعية المدعي بوجود عدة قرارات
لم يتم الطعن فيها داخل أجل دعوى الإلغاء
وحيث لئن كانت نزاعات الوضعية الفردية تندرج كأصل عام ضمن ولاية القضاء الشامل
للمحاكم الإدارية بما يترتب عنها من حيث عدم إخضاعها لآجال دعوى الإلغاء، فإن
الاجتهاد القضائي المتواتر للمجلس الأعلى أصبح يخضعها لقيد الأجل كلما تبين أن
البت في الطلب يستوجب مراجعة قرارات إدارية أصبحت متحصنة بفوات أجل الطعن فيها
وحيث في نازلة الحال، ففضلا عن انعدام السند القانوني لطلب الإدماج المباشر في
سلك مفتشي المالية، فإن المطالبة بذلك الإدماج ابتداء من 17/7/1987 تقتضي إلغاء
القرارات المتعلقة بوضعية المدعية منذ ذلك التاريخ إلى غاية تقديم الطلب في
23/11/2006 ومن بينها قرارات الترقية إلى السلم 8 ابتداء من 01/07/1999 وكذا
الترقيات في رتب ذلك السلم، والحال أنها قرارات متحصنة لفوات أجل الطعن فيها
بعدما تحقق لدى المدعي علم يقيني بتلك الوضعية دون أن يتظلم منها أو يطعن
فيها خلال الآجال، مما يبقى معه الطلب غير مقبول".
وبالرجوع إلى مضمون
الحيثيات التي علل بها حكم المحكمة الادارية بالرباط موقفه، نرى بأن الإدارة
(وزارة التربية الوطنية) دفعت بعدم قبول طلب الموظف العمومي الرامي الى الغاء
قرارها بعزله على أساس تقديمه خارج الآجال القانونية، لكن تم رده عن صواب لأن
التبليغ الذي تحتج به لم يثبت تسليمه إلى الأخير كما هو مقرر قانونا، بحيث في حالة
التوصل ينبغي أن يوقع على المحضر أو المستند الذي يفيد تسلمه للقرار.
وبما أن عبء إثبات تبليغ
وتسلم الموظف العمومي المتخذ في حقه عقوبة العزل يقع على عاتق الإدارة، فإن
المحكمة عن حق لم يكن أمامها سوى تحصين الضمانات القانونية الممنوحة لفائدة الموظف
العمومي الذي يعتبر في وضعية ضعف.
ونظرا لعجز الإدارة عن
الإدلاء بما يفيد ذلك، كان من الطبيعي أن تعتبر عقوبة العزل غير مشروعة من حيث
مجيئها مشوبة بعيب في الشكل. وفي هذا الجانب، نعتقد أن حكم المحكمة لم يكن صادما
بل متوقعا لأنه منسجم مع ما استقر عليه القضاء قديما وحديثا.
وتتويجا لما سقناه، يمكن القول أن قرار المجلس الأعلى رقم 468 الصادر بتاريخ 26 يوليوز 1984 هو من بين القرارات المعروفة التي
تبنت نظرية العلم اليقيني، ومما جاء فيه: " حيث إن الطالب السالف الذكر يطلب،
بسبب الشطط في استعمال السلطة، إلغاء القرار الصادر عن السيد وزير
الفلاحة والإصلاح الزراعي (إدارة المياه والغابات والمحافظة على الأرض)، المؤرخ في فاتح
مارس 1979 الذي قضى بفصله عن وظيفته، موضحا أنه في سنة 1968 وقع توظيفه بوزارة
الفلاحة وظل يعمل بها برتبة عون تقني، إلى أن أصيب وهو يمارس عمله بمرض عضال اضطره إلى
أخذ الرخصة الإدارية من فاتح أكتوبر1978 إلى الثلاثين من نفس الشهر والسنة، ثم سوعد
على تمديد هذه الرخصة من ثاني نونبر 1978 إلى غاية عشرة دجنبر من سنة 1978، وبما
أن مرضه تفاقم وحالته الصحية تأزمت بسبب خطورة الأضرار التي كان يعاني منها، فإنه
اضطر، بناء على استشارة الأطباء، للبقاء تحت المراقبة الطبية، وقد أعلم الإدارة
بمرضه وأثبت عجزه الكلي المؤقت عن العمل بمقتضى شواهد طبية أرسلها للإدارة
بواسطة البريد المضمون، كان آخر شهادة طبية بعث بها تتعلق بالفترة ما بين 15
يناير 1979 و 15 مارس 1979، وقد توصل العارض بقرار الانتقال والالتحاق بقلعة
السراغنة ابتداء من 17 مارس 1979فبادر إلى الالتحاق بمقر عمله الجديد غير أنه فوجئ
بإشعاره يوم 22 دجنبر 1979بقرار الفصل من وظيفته بدعوى تغيبه الغير القانوني عن
عمله، وهو القرار المطلوب إلغاؤه حاليا.
وحيث أجابت الإدارة أنه بتاريخ 22 شتنبر 1978 تقرر نقل.................،
بصفته عونا تقنيا تابعا لمصلحة المياه والغابات فرع أولماس، إلى قلعة السراغنة، وبتاريخ 13 نونبر1978 أشعر العون المذكور
بقرار النقل حيث أثير انتباهه بواسطة نفس الوثيقة إلى ضرورة الالتحاق بمركزه الجديد في
ظرف سبعة أيام، غير أنه بتاريخ 17 نونبر 1978 بعث رئيس فرع أولماس بمذكرة يخبر
فيها أن العون المعني بالأمر رفض تسلم قرار النقل وامتنع عن أداء مهامه، وبتاريخ 21
نونبر 1978، و من غير استشارة المسؤولين المحليين، أشعر العارض إدارته بأنه قرر التوقف
عن العمل لمدة ثلاثين يوما انطلاقا من متم شتنبر 1978 بدعوى الاستفادة من الرخصة
الإدارية.
وبعد انصرام أجل الرخصة الإدارية المشار إليها أعلاه، دون التحاق العون
المذكور بمركز عمله الجديد، قامت الإدارة بتاريخ 15 يناير 1979 فوجهت له إنذارا تحت
عدد13/1/420 بواسطة رسالة مضمونة عدد 976، لكن العون المذكور لم يستجب لهذا
الإنذار، مما أدى بالإدارة إلى إصدار قرارها المؤرخ بفاتح مارس 1979 والقاضي بفصل
العارض عن وظيفته.
فيما يخص مشروعية القرار المطعون فيه :
حيث يعيب الطاعن على القرار المطلوب إلغاؤه خرقه مقتضيات الفصل 75 مكرر من الظهير الشريف المؤرخ في 4 شعبان 1379 (الموافق ل 24
فبراير 1958) ذلك أن الإدارة أصدرت مقررها المطعون فيه دون أن يثبت لديها
توصل العارض بالإنذار.
وحيث يتضح من أوراق الملف أن الإدارة وجهت للعارض بمحل سكناه
بالخميسات إنذارا داخل غلاف مضمون تحت عدد 976، غير أن هذا الغلاف رد إليها حاملا
عبارة "غير مطلوب".
وحيث صرحت الإدارة أن التبليغات الحاصلة تحت غلاف مضمون تعتبر
مسلمة تسليما صحيحا بعد عشرة أيام من تاريخ وضعها بالبريد المضمون، وبذلك ينتفي
الزعم من أن الطالب لم يتوصل بأي إنذار، في حين أن الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية
ينص صراحة في فقرته الخامسة على أن يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم
العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء، في
حين أنه لم يثبت رفض الطاعن تسلم الاستدعاء، وأن عبارة "غير مطلوب"
الواردة في الغلاف المضمون لا تفيد الرفض.
وحيث يستفاد مما ذكر أن التبليغ لم يقع بصفة قانونية وأن مقتضيات الفصل 75 مكرر المشار إليه أعلاه لم تحترم من طرف الإدارة مما جعل
المقرر المطعون فيه مشوبا بالشطط في استعمال السلطة".
ويشبه حكم المحكمة الادارية
بالرباط كثيرا ما ورد في قرار المجلس الأعلى رقم 2 الصادر بتاريخ 4 يناير 1990
ملف الإداري رقم 8419/88، الذي انتهى إلى أنه: "بناء على
الفصل 75 مكرر من الظهير الشريف المؤرخ في 2 فبراير 58 بشأن النظام الأساسي العام
للوظيفة العمومية.
حيث يؤخذ من هذا النص
أنه في حالة ترك المنصب يجب إنذار الموظف المعني بالأمر باستئناف عمله في ظرف أجل
سبعة أيام الموالية لتبليغ الإنذار فإذا انصرم الأجل ولم يستأنف الموظف المذكور
عمله فإن لرئيس الإدارة الصلاحية لاتخاذ عقوبة العزل ضده دون استشارة المجلس
التأديبي.
وحيث إن الإنذار المذكور
يكون إجراءا جوهريا وأن عدم مراعاته يترتب عنه البطلان.
وحيث أن الإدارة التي
يقع عليها عبء الإثبات لئن أدلت بنسخة من الإنذار الذي وجهته للطاعن بتاريخ 2 جوان
1982 تحت عدد 2445 ام إلا أن شهادة تسليمه لهذا الأخير لا تحمل توقيعه حتى يكون من
الثابت قانونا أنه توصل به فعلا الأمر الذي يجب معه الحكم بإلغاء المقرر المطعون
فيه".
وتماشيا مع هذا التوجه،
اعتبر قرار المجلس
الاعلى رقم 882، ملف إداري عدد 101/1/4/2006، صادر بتاريخ 26 دجنبر 2007: "حيث تعيب المستأنفة على الحكم اعتماده في تعليل ما قضى به، على الحالة المرضية للمستأنف عليه مع أن قرار
العزل المطعون فيه لم يستند إلى واقعة المرض، وإنما بني على
كثرة التغيبات والانقطاع عن العمل...ثم إن الشهادة الطبية المؤرخة في 1/11/2004 التي
أدلى بها لطاعن، لا تفيد انه شفي من المرض.
لكن، حيث إنه بصرف النظر عن الأسباب الداعية لمغادرة الطاعن عمله، فإن الإدارة المطلوبة لم تثبت أنها احترمت الإجراء
الجوهري، المتمثل في إنذار المعني بالأمر للالتحاق بعمله في آخر عنوان له تتوفر
عليه، وأنه عند فشل تبليغه بهذا الإنذار، لجأت على إيقاف راتبه، إعمالا لمقتضيات
الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مما يكون معه قرار
العزل المتخذ دون سلوك المسطرة المذكورة باطلا ولا داعي لمناقشة الأسباب المعتمدة في
إصداره.
وحيث إنه بهذه العلة يتعين تأييد الحكم المستأنف".
وكثيرا ما يحاول القضاء
التساهل مع المرافق العمومية بخصوص تحديد تاريخ انطلاق احتساب الأجل للطعن بإلغاء
القرارات الإدارية حتى في حالة عدم وجود وثيقة دالة على تبليغه للمعني بالأمر، لكن
يشترط فقط عنصر العلم اليقيني به وبمحتواه. ومثال ذلك، حكم المحكمة الإدارية
بالرباط رقم 1459 بتاريخ 9 دجنبر 2003 الذي ورد فيه: "...وحيث إنه ولئن كان
المشرع في المادة المذكورة قد حدد انطلاق احتساب الأجل ابتداء من نشر القرار
وتبليغه بحسب طبيعة القرار، إلا أن الاجتهاد القضائي ورعياً منه للغاية المتحدث
عنها آنفاً استقر على إمكانية التسليم بإمكانية احتساب أجل الطعن بالإلغاء حتى في
غياب نشر القرار الإداري أو تبليغه ما دام أن المخاطب به كان عالماً يقينياً
بمضمونه وبالسلطة مصدرته".
وهذا الحكم المرن الذي
لم نعثر على نظير له اعتبر أن عملية نشر وتبليغ القرار الإداري ليست في كنهها سوى
وسائل وأدوات شكلية غير مؤثرة ما دام أن العنصر المهم الذي يتوخاه المشرع أصلا هو
حصول واقعة العلم اليقيني به وبكافة مشتملاته. وعليه، فهو يبقى معزولا ولا ينبغي
الركوب عليه من أجل الانتقاص من أهمية التبليغ ونشر القرارات الإدارية.
ولا جدال في أن
الاجتهادات اللاحقة على هذا التاريخ كلها تسير في المنحى المبين أعلاه، بحيث سرعان
ما تجنبت الالتفات إلى موقف الحكم آنف الذكر، لأنه لا يشكل القاعدة وإنما استثناء،
والاستثناء لا يقاس عليه. إذ جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط الصادر بتاريخ
28 مارس 2013, ملف عدد 184-5- 2012 أنه: "حيث دفع الوكيل القضائي
للمملكة بأن قرار العزل صدر بتاريخ 01-12-2009 وأن الطعن قدم بتاريخ 30-05-2012
مما يجعله مقدما خارج الأجل القانوني.
لكن، حيث إن الملف خال
مما يثبت تبليغ القرار المطعون فيه إلى الطاعن أو علمه به بشكل يقيني، علما أن
العلم اليقيني الذي يبدأ به أجل الطعن بالإلغاء - وفقا لما سار عليه العمل
القضائي لمحكمة النقض - هو الذي يكون شاملا لمضمون القرار وسببه والجهة المصدرة
له، القرار عدد: 519 المؤرخ في: 12-5-2004 صادر في الملف الإداري عدد:
489-4-1-2003، والقرار عدد: 126 المؤرخ في: 24/2/2011
صادر في الملف الإداري عدد: 1301-4-1-2009، و في النازلة فإن الادارة
المطلوبة في الطعن لم تدل بأي بيان مثبت لعلم الطاعن بسبب القرار محل الطعن، مما
يجعل الدفع عديم الأساس.
حيث يهدف الطلب إلى
الحكم بإلغاء القرار القاضي بعزل الطاعن مع ما يترتب على ذلك قانونا، مع إرجاعه
إلى عمله وأداء أجرته المستحقة خلال مدة العزل.
وحيث أجابت الوكالة
القضائية للمملكة بأن الطاعن تخلى عن عمله بصورة إرادية ابتداء من تاريخ:19-08-2009،
حيث وجهت إليه الإدارة إنذارا للالتحاق بعمله، وبالنظر لتعذر تبليغه بذلك الانذار
حسب الثابت من كتاب المدير المؤسسة السجنية تم توقيف أجره، ليتقرر عزله بعد عدم
التحاقه بعمله.
وبخصوص ادعاء واقعة
المرض، فإن الطاعن لم يدل للإدارة بأي شهادة طبية.
وحيث ينعي الطاعن على القرار
المطعون فيه مخالفته للقانون بالنظر إلى أن الإدارة لم تحترم الاجراء المنصوص عليه
في الفصل 75مكرر والمتعلق بتوجيه إنذار إلى المعني بالأمر بآخر عنوان شخصي مصرح به
وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسليم، فضلا على أنه مشوب بعيب السبب
بحكم أن انقطاعه عن العمل كان بسبب حالته المرضية.
حيث إن الثابت من القرار
المطعون فيه أن قرار عزل الطاعن استند إلى السبب المستمد من ترك الطاعن لوظيفته.
وحيث إن مسطرة عزل
الموظف المنسوب إليه ترك الوظيفة مؤطرة بالفصل 75 مكرر من الظهير الشريف رقم
1.58.008 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة
العمومية الذي ورد فيه: " باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف
الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة ترك الوظيفة.ويعد
حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها هذا النظام الأساسي.
يوجه رئيس الإدارة إلى
الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة، إنذارا لمطالبته باستئناف عمله، يحيطه فيه علما
بالإجراءات التي يتعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله.
يوجه هذا الإنذار إلى
الموظف بآخر عنوان شخصي له مصرح به للإدارة وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول
بإشعار بالتسلم.....
إذا تعذر تبليغ الإنذار
أمر رئيس الإدارة فورا بإيقاف أجرة الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة.
إذا لم يستأنف هذا
الأخير عمله داخل أجل ستين (60) يوما ابتداء من تاريخ اتخاذ قرار إيقاف الأجرة وجب
تطبيق العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة أعلاه.
وتسري عقوبة العزل في
الحالات المنصوص عليها في هذا الفصل، ابتداء من تاريخ ترك الوظيفة..."
وحيث لما كان توجيه
إنذار إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة بشأن مطالبته باستئناف عمله يعد من أهم
الضمانات التي أقرها المشرع لفائدة الموظف محددا وسيلة تبليغ ذلك الإنذار في رسالة
مضمونة الوصول بإشعار بالتسلم، وأن الإدارة المطلوبة في الطعن لم تدل بأي بيان
يثبت توجيهها لإنذار إلى الطاعن على النحو المذكور وبالتالي إثبات تعذر تبليغه،
وذلك قبل الاقدام على إيقاف الأجرة، علما أن المحضر المدلى به والمنجز من طرف
موظفي المؤسسة السجنية لا يمكن أن يثبت عملية تعذر التبليغ ، كما لا يمكن أن يقوم
مقام آلية التبليغ المومأ إليها أعلاه، فإن الإدارة المطلوبة في الطعن ، والحال ما
ذكر، تكون قد أعملت مقتضيات الفصل 75 مكرر على نحو غير سليم، مما يبقى معه القرار
المطعون فيه مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفته للقانون، الأمر الذي يوجب
القضاء بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وذلك بصرف النظر عن مناقشة
الوسيلة الأخرى المثارة ".
2-أن شهادة الشفاء ليست دليلا كافيا للقول بتحقق عنصر العلم الشامل والحقيقي بفحوى
قرار العزل من لدن الموظف، ومن ثمة فالدفع الشكلي الذي أثارته الإدارة المدعى
عليها المتعلق بأجل التقادم لم يكن منبنيا على أي أساس طالما أن ابتداء سريانه
يفترض اصلا حصول واقعة التبليغ القانوني والعلم التام بالقرار، ووجود الطاعن في
حالة مرض عقلي ونفسي أثناء صدور هذا القرار يستحيل معه إدراك ما جاء فيه حتى يتسنى
له الرد عليه.
وقد تعاملت المحكمة مع
هذا المعطى كما يجب، بحيث راعت الفترة الزمنية التي كان الموظف العمومي في حالة
علاج من الاضطرابات العقلية والنفسية التي تعتريه لضبط الأجل الذي يبتدأ منه
احتساب الطعن، لأن شهادة الشفاء يتوقف عليها معرفة مدى قدرة الموظف على استئناف
عمله من عدمها.
في هذا الصدد، جاء في حكم
المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1136 الصادر بتاريخ 14
شتنبر 2006 ملف عدد 445-1-05 ما يلي: "حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الصادر عن وزير
العدل بتاريخ 19/7/1999، القاضي بإعفاء الطاعن من مهامه الإدارية وحذفه من أسلاك
مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج ابتداء من فاتح مارس 1999، مع الاحتفاظ له
بالحق في المعاش، وترتيب الآثار القانونية على ذلك.
وحيث
سبق للمحكمة أن قضت برفض الطلب في حكمها المشار إليه أعلاه، والذي كان محل طعن
بالاستئناف من طرف الطاعن أمام الغرفة الإدارية التي قضت بإلغائه بعلة أن المحكمة
لم تجر التحقيق اللازم حول واقعة إدلاء الطاعن بشهادة تمديد رخصة المرض من عدمه، وأن
إنكاره لم تواجهه الإدارة بالإدلاء بالشهادة الطبية التي تؤكد ما تمسك به من
عدم الشفاء رغم إنذارها من طرف المحكمة، وبالتالي لم يكن حكمها معللا .
وحيث
إنه بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية وملابساتها، تبين لها أن مناط النزاع
بين الطرفين يدور حول التأكد من واقعة شفاء الطاعن من عدمه بعد استنفاذه للرخص
المرضية الطويلة الأمد المخولة له قانونا. ففي الوقت الذي يتمسك فيه الطاعن بأنه
أدلى بالشهادة الطبية التي تثبت شفائه، دفعت الإدارة بأن الشهادة الطبية الوحيدة
التي توصلت بها تفيد عكس ذلك.
وحيث
استظهرت الإدارة – بعد إحالة الملف من المجلس الأعلى للبت فيه من جديد – بنسخة من
شهادة طبية صادرة عن الطبيب المعالج للطاعن الدكتور.................... مؤرخة في
1/3/1999، وتفيد بكون الحالة الصحية للطاعن تتطلب حاجته للراحة لمدة ثلاثة أشهر مع
مراعاة إمكانية تفاقمها. كما أدلت بالرسالة التي أحالت بها أصل تلك الشهادة على
المجلس الصحي المؤرخة في 15/3/1999 تحت عدد 006585، الأمر الذي يفند إنكاره أن
يكون قد أدلى بالشهادة المذكورة وعدم علمه بها. وإذا كان ممثل المجلس الصحي قد صرح
خلال جلسة البحث بأن ملف الطاعن خال من الشهادات الطبية الأصلية ويتضمن نسخ منها ،
فقد أوضح بأن ذلك ربما يرجع لطول النزاع وتبعثر ملف الطاعن ، سيما وأنه أكد بأن
المجلس الصحي لا يبت في الوضعية الصحية لأي موظف إلا
بناء على الشهادات الطبية أو نسخ مصادق عليها، هذا بالإضافة إلى أن الطاعن لم يطعن
في الشهادة المذكورة بأحد الطرق المقررة قانونا لذلك ، وبالتالي يبقى إنكاره
المجرد لها غير جدير بالاعتبار ولا تأثير على قيمتها القانونية .
وحيث
إنه بالمقابل، فإن الشهادة الطبية التي يتمسك الطاعن بأنها تثبت شفاءه وقدرته على
استئناف العمل، بالرجوع إليها نجدها تفيد بأن الطاعن يمكنه استئناف العمل بعد
استنفاذ رخصته الطويلة الأمد دون الإشارة فيها إلى تاريخ انتهاء تلك الرخصة والتحقق
مما إذا كانت تنتهي فعلا في 28/2/1999، كما أن صيغة المضارع التي حررت بها تلك
الشهادة تفيد بأن الطبيب المعالج للطاعن لم يقم بفحصه عند ذلك التاريخ للتأكد من
أن حالته الصحية تسمح له فعلا باستئناف العمل. ثم إنه من جهة أخرى فإن أصل تلك
الشهادة أدلى به الطاعن رفقة مذكرته الإضافية المؤشر عليها بتاريخ 3/4/2003، مما
ينفي أن يكون قد أدلى بها للإدارة كما دفعت بذلك هذه الأخيرة، وهو ما أكده تصريح
ممثل المجلس الصحي خلال جلسة البحث من أن ملف الطاعن لا يتضمن سواء أصل تلك
الشهادة أو نسخة منها، وأن الشهادة الوحيدة المتواجدة في ملفه والتي تثبت شفائه
مؤرخة في 1/9/1999، وهي كذلك عبارة عن نسخة فقط.
وحيث
إنه من جهة ثالثة، بالرجوع إلى الرأي الإيجابي الذي أصدره المجلس الصحي لفائدة الطاعن
وعليه أسس هذا الأخير طلبه، نجده قد بني على الشهادة الطبية المؤرخة في 1/9/1999
السالف ذكرها، في حين أن ذلك الرأي يحمل تاريخ 8/4/1999، أي أنه بني على وقائع لاحقة
في التاريخ على تاريخ إبدائه، وهو ما ينفي عنه المصداقية ويجعله معيبا في سببه،
ولا يمكن أن يرتب أي أثر قانوني.
وحيث
إنه تبعا لذلك، وما دام أن الملف الصحي للطاعن يفيد بأن حالته الصحية لم تكن تسمح
له باستئناف عمله إثر استنفاذه لرخصته المرضية الطويلة الأمد، يكون قرار الإدارة
بإعفائه من العمل مبنيا على أساس سليم، ويتعين التصريح برفض الطلب".
3-أن تصرف وسلوك الموظف لم يعد بالإمكان اعتباره مغادرة الوظيفة تلقائيا وتركها
عمدا كما تصر الإدارة، بل أصبح بمثابة تغيب قانوني ومبرر، خصوصا أن عنصر سوء النية
منتفي تماما لأن المغادرة التلقائية أو العمدية تستوجب توفر حس الإدراك لدى الفاعل
بما يقوم به.
فالمبدأ
الذي ما فتئ يقر به القضاء يرتكز على فكرة مفادها أن صحة واقعة التغيب عن العمل
المثبت من طرف الإدارة يبقى مجرد قرينة بسيطة على شرعية ادعائها وقابل لإثبات العكس.
وعلى هذا الأساس، اعتبر حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 1272
الصادر بتاريخ 30 نونبر 2004 ملف عدد 112/03 غ أنه: "
حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء قرار عزل الطاعن من أسلاك مستخدمي المكتب الوطني
المغربي للسياحة ، مع النفاذ المعجل .
وحيث أسس الطاعن طلبه
على وسيلة وحيدة هي عيب انعدام السبب، موضحا أن القرار المطعون فيه حينما نسب إليه
مغادرة العمل والحال أنه دائم الحضور يكون قد ارتكز على وقائع غير صحيحة.
وحيث تمسكت الإدارة بكون
القرار مشروعا مؤكدة أن الطاعن دائم الغياب وأنها أنذرته بالرجوع إلى العمل لعدة
مرات دون جدوى، وأن القرار جاء مطابقا للفصل 75مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
وحيث ينص الفصل 75 مكرر المشار إليه على أنه: " باستثناء
حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في
حالة ترك الوظيفة، ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها
هذا النظام الأساسي ... ".
وحيث يستفاد من نص الفصل المذكور أن الواقعة التي تشكل ركن السبب
بالنسبة لعقوبة العزل في هذه الحالة هي التغيب المتواصل للموظف الذي يؤدي به إلى
الانقطاع عن العمل بصفة مسترسلة، وهي واقعة تدعيها وتتمسك بها الإدارة التي يقع
عليها عبء إثبات صحتها.
وحيث إنه ولئن كانت
الإنذارات التي يتوصل بها الموظف والتي تتضمن إخبارا له بمعاينة تغيبه وبدعوته إلى
الرجوع للعمل تشكل قرائن على صحة واقعة التغيب، فهي من جهة أولى تعتبر قرينة بسيطة
يمكن إثبات ما يخالفها ".
وقد أحسنت المحكمة صنعا
عندما أمرت بإجراء خبرة طبية للتأكد من الحالة المرضية للموظف العمومية لمعرفة
درجة تأثيرها على إدراكه إلى جانب التحري حول حسن أو سوء نيته لإثبات عنصر العمد والقصد
أي توفر الارادة في ترك الوظيفة. والوقوف على جميع هذه العناصر الواقعية هي من
المسائل الخاضعة للسلطة التقديرية لقضاء الموضوع.
ومهما يكن، فالمحكمة
اقتنعت بالخلاصات التي تضمنها تقرير الخبير لأنه في مثل نازلة الحال[1] يعتمد
القضاء على الخبرة التقنية نظرا لعدم المامها الجيد بالتعقيدات التي تلف الأمراض
المتطلبة لأهل الاختصاص في المجال الطبي.
ففي
قرار محكمة
الاستئناف الإدارية بالرباط رقم 57 بتاريخ 21 فبراير 2007 ملف عدد 09/06/5 ورد أنه: "بعد أن ثبت للمحكمة بإن الحالة
النفسية التي يعاني منها الطاعن جعلته في وضعية لا يمكنه معها الاستجابة لطلب
الإنذار الموجه إليه من قبل الإدارة في إطار الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي
العام للوظيفة العمومية، فإن تركه للوظيفة كان اضطراريا وليس إراديا، وأن قرار
العزل المتخذ في حقه على أساس ترك الوظيفة يعتبر مشوبا بتجاوز السلطة وموجبا
للإلغاء ".
كما أن الإدارة لم تطعن
في الشواهد الطبية المدلى بها من طرف الموظف العمومي، وهو ما يكشف ضمنيا عن كون
واقعة التغيب المبرر صحيحة. وهذا التفسير أخذت به المحكمة الإدارية بالرباط في
حكمها رقم 464 الصادر بتاريخ 6 مارس 2008 ملف عدد 42/07 غ عندما
قضت بما يلي: "حيث دفعت الإدارة بعدم قبول الطلب طالما أن القرار صدر بتاريخ
26/9/2005 ولم يتم الطعن فيه إلا بتاريخ 31/01/2007.
لكن،
حيث بالرجوع إلى قرار العزل
المدلى بنسخة منه من طرف الوكيل القضائي للمملكة، يتبين أنه لئن كان صادرا بتاريخ
18/01/2006 ومؤشرا عليه بتاريخ 25/04/2006، فإنه لم يقم أي دليل يثبت تاريخ توصل
الطاعن به أو تحقق علمه اليقيني بعناصره، وأنه لما كان التبليغ والعلم اليقيني هما
منطلقا احتساب أجل الطعن في القرارات الفردية ، فإن عدم إثبات الإدارة لتاريخ محدد
لهما يجعل الدفع بتقديم الطلب خارج الأجل في غير محله ، ويتعين استبعاده.
حيث
يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء قرار عزل الطاعن
من أسلاك وزارة التربية الوطنية ابتداء من 04/07/2004 مع ترتيب الآثار القانونية
على ذلك.
وحيث
بالرجوع إلى معطيات النزاع يتبين أن الإدارة قد بنت قرار العزل على تغيب الطاعن عن العمل بدون
مبرر ابتداء من 04/07/2004 وسلوكها لإجراءات الإنذار وتوقيف الراتب المنصوص عليها
في الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة
العمومية دون أن يلتحق بعمله أو يدل بأي مبرر.
لكن،
حيث لئن كان الفصل 75 مكرر
المشار إليه قد خص الإدارة باتخاذ إجراء العزل دون استشارة المجلس التأديبي في
مواجهة الموظف الذي يتخلى إراديا عن العمل دون مبرر، فإن تفعيل ذلك الإجراء يتوقف
على تحقق حالة واقعية وقانونية هي التخلي الإرادي عن العمل، وسلوك شكليات جوهرية
هي الضمانة الوحيدة لحق الدفاع في مسطرة العزل الاستثنائية من خلال الإنذار بالرجوع
إلى العمل ولاحقا توقيف الراتب.
وحيث
في نازلة الحال ، فالطاعن يبرر تغيبه عن العمل بوجوده في ظل ظروف صحية نفسية لم
تمكنه من مواصلة عمله بدليل الشهادات الطبية المدلى بها من طرفه رفقة المقال
الافتتاحي دون أن تنازع الإدارة في مضمونها أو في جديتها ، مما تقتضي معه الأخذ
بها، وأنه لئن كانت الإدارة تدفع بعدم توصلها بالشهادات الطبية بين تاريخ الإنذار
وتوقيف الراتب ، فإنها لم تنازع في صحة ما تمسك به الطاعن – خلال جلسة البحث – على
لسان أخيه من أنه كان يسلم الشهادات الطبية إلى مدير المؤسسة الذي لم يكن يضمنها
في ملفه الإداري لوجود نزاعات بينهما.
وحيث
طالما لم تكن الشهادات الطبية محل منازعة من طرف الإدارة، فإن واقعة التغيب تصبح
مبررة بالظرف الصحي، مما ينعدم لدى الطاعن عنصر التخلي الإرادي عن العمل، ويجعله
غير مخاطب بمقتضيات الفصل 75 مكرر
المذكور سابقا.
وحيث
من جهة ثانية، فرغم أن الإنذار بالرجوع إلى العمل يعتبر الضمانة الوحيدة لاحترام
حق الدفاع، فقد اكتفت الإدارة بالتمسك بسلوكه وبتعذر تبليغه إلى الطاعن دون أن تدل
بالإشعار البريدي المعتمد في ذلك، مما يجعل مسطرة الإنذار كأنها لم تكن.
وحيث
طالما أنه لم يثبت في حق الطاعن تعمد الانقطاع الإرادي عن العمل كما لم تثبت
الإدارة إنذاره بالرجوع إليه، فإن عزله في إطار الفصل 75 مكرر
يبقى غير مشروع، ويتعين الحكم بإلغائه".
كما أن المدعي نفسه أي الموظف قدم تبريرا لغيابه وأدلى بوثائق طبية تفيد معاناته
من المرض النفسي والعقلي والتي تطلبت منه المكوث بالمستشفى للعلاج، وما قيامه بالإدلاء
بوصل البريد المضمون سوى إثبات على أن الادارة قد استلمتها وتوصلت بها وكانت على بينة
ودراية بوضعيته، مما يجعل إنكارها غير مستند على أي اساس.
ففي إحدى السوابق التي بتت فيها المحكمة الإدارية
بالرباط في حكمها رقم 326 الصادر بتاريخ 28 فبراير
2006 ملف عدد :199-1-04، قضت بما يلي: "حيث يهدف الطلب إلى الحكم
بإلغاء قرار العزل الصادر عن السيد وزير الداخلية في حق الطاعن
السيد..... الناتج عن تطبيق مقتضيات الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية
في مواجهته على إثر تغيبه عن العمل وعدم استجابته لمضمون إنذار بالرجوع أرسل له
بتاريخ 20/6/1997
وحيث أدلى الطاعن بصور
لمجموعة من الشواهد الطبية التي كان قد بعث بها إلى الإدارة لتبرير غيابه عن العمل
معتبرا أن مقتضيات الفصل 75 مكرر لا تنطبق عليه لكونه كان في حالة تغيب مبرر. لذا،
فبالنظر إلى كون هذه الشواهد الطبية تحمل توقيع طبيب مختص في الأمراض العقلية
والنفسية وتشير إلى إصابة الطاعن وقتها بانهيار نفسي وعصبي حاد، فقد ارتأت هذه
المحكمة الأمر تمهيديا بإجراء خبرة استئناسية قصد الوقوف على حقيقة حالة الصحة
النفسية والعقلية للطاعن وامتداداتها الزمنية وبغية التأكد مما إذا كانت هذه
الحالة تسمح أم لا بمواجهة الطاعن بواقعة عدم استجابته للإنذار بالرجوع إلى
العمل وبترتيب الآثار القانونية عن ذلك.
وحيث أسفرت نتيجة الخبرة
على كون الطاعن يعاني من مرض عقلي مزمن وهو عبارة عن اضطراب عميق في
الشخصية وفي السلوك مع هذيان من النوع الذي يجعل الشخص المصاب به يفقد أحيانا
القدرة على الإدراك والتمييز، كما يعاني من ضعف تكويني في الشخصية وأن بداية
الأعراض المرضية الخطيرة كانت خلال سنة 1995، وأن حالته العقلية تبدو اليوم مستقرة
ولكنها ما زالت تتطلب العلاج المستمر والمراقبة الطبية الدائمة.
وحيث إنه أمام هذه
المعطيات، استنتجت المحكمة أن الطاعن كان ابتداء من سنة 1995، في وضع صحي يحول دون
مواجهته بمضمون "الإنذار لأجل الرجوع إلى العمل " رغم توصله به بشكل
قانوني، كما لا يمكن تبعا لذلك اعتباره في حالة ترك الوظيفة وفق المفهوم الذي
توخاه المشرع في المادة 75 مكرر ، وأن هذه الحالة التي امتدت إلى ما بعد
تاريخ تسجيل الدعوى الحالية جعلت الطاعن بمنأى عن المخاطبة بمسألة العلم اليقيني
وآجال الطعن الواجب احترامها بخصوص شكليات رفع الدعوى.
وحيث إنه تأسيسا على ما
سبق، يتعين التصريح بكون قرار العزل المطعون فيه الذي اتخذ على أساس ترك الطاعن
لوظيفته، مشوب بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب، ويتعين لذلك الحكم بإلغائه مع ما
يترتب عن ذلك من آثار قانونية".
4-أن الادارة لم تنازع في الخبرة الطبية المأمور بها قضائيا التي اطمأنت المحكمة
إلى نتائجها واستأنست بها وتخلت عن حقها في طلب خبرة مضادة، مع العلم أنه الحكم لم
يوضح نوع المرض العقلي والنفسي الذي اصيب به الموظف، ويستشف من ذلك الاعتراف
الضمني للإدارة على الأقل بعلمها المسبق بحالته.
كما
أنه كان في وسعها العمل على إجراء مراقبة صحية من لدنها إثر توصلها بالشهادة
الطبية من الموظف المعني، وهو ما لم تقم به أبدا، مما يجعلها قد فوتت على نفسها
فرصة اثبات عكس ما يدعيه.
وهكذا،
فقد جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط الصادر بتاريخ 14 فبراير 2005 أنه:
"لكن حيث إنه ليس من حق الإدارة بالمرة معاقبة الطاعنة على تغيبه إذا توصلت
بشهادة طبية وكان في وسعيها القيام بإجراء مراقبة صحية والتحقق من أن الوثيقة
المذكورة لم تسلم للطاعن على وجه المجاملة مما يثبت أن الطاعن أدلى بما يبرر
قانونا تغيبه .
وحيث إن الطاعن احترم أجل
الإنذار من أجل الالتحاق وأن الإدارة تؤكد ذلك وأن تغيبه بعد ذلك برره بشهادة طبية
مما كان على الإدارة إحالته على الكومسيون الطبي في حالة عدم قناعتها بشهادته
الطبية، لتثبت مدى مصداقية هذه الشهادة كما صرحت بها ممثلة المكتب، إلا أنها لم
تفعل و أصدرت قرارها القاضي بعزل الطاعن، مما يعتبر هذا القرار غير مرتكز على أساس
قانوني لكون تغيبه المبررة بشهادة طبية لا يمكن اعتباره بمثابة ترك الوظيفة الذي
يؤدي إلى العزل دون استشارة المجلس التأديبي
.
وحيث إن تغيب الطاعن غير
القانوني، إذ كان من شانه أن يبرر متابعته تأديبيا إلا أنه لا يمكن اعتباره تركا
للوظيفة من شأنه قطع العلاقة التي تربط الإدارة والمعني بالأمر، وبالتالي فإنه لم
يكن من حق الإدارة معاقبة الطاعن دون استشارة المجلس التأديبي (قرار المجلس الأعلى
عدد 30-10 الصادر بتاريخ 10 يوليوز 1970).
وحيث والحالة هذه يتعين
التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه لاعتباره متجاوزا في استعمال السلطة لعيب
مخالفة القانون المتجلي في سوء تطبيق مقتضيات الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة
العمومية ".
وفي نفس السياق، خلص حكم المحكمة الإدارية بالرباط صادر
بتاريخ 11 أبريل 2013 ملف رقم: 101/5/2013 إلى ضرورة
تبني الموقف المومأ إليه أعلاه بالحيثيات التالية: "حيث
يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الإداري بالعزل للتجاوز في استعمال
السلطة الصادر عن المدير العام لمراقبة الوطني بتاريخ 8-12-2010 مع ما يترتب
عن ذلك من آثار قانونية.
حيث دفعت الإدارة المدعى
عليها بكون الطاعن يوجد في حالة ترك الوظيفة طبقا للفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة
العمومية
وحيث ينص الفصل 75 مكرر
من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على أنه: "باستثناء حالة التغيب
المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة ترك
الوظيفة"
وحيث إن الثابت من وثائق
الملف ولاسيما من الشهادتين الطبيتين الأولى المؤرخة في 30-9-2010ومدتها شهر،
(والثانية المؤرخة في 9-11-2010 ومدتها شهر) توصل الإدارة بهما بواسطة الفاكس بعدم
إنكارها ذلك صراحة، في الوقت الذي تم اعتباره منقطعا عن العمل بتاريخ 26-9-2010
وصدر قرار عزله ابتداء من هذا التاريخ، فضلا عن أن تاريخ الغياب عن العمل تمت
معاينته من طرف الإدارة بتاريخ 26-9-2010 بالمقارنة مع تاريخ الإنذار بالالتحاق
بالعمل المؤرخ في 28-9-2010 أي بعد يوم واحد من معاينة الغياب.
وحيث إن ثبوت حالة
التغيب المبررة قانونا يترتب عنه بطلان مسطرة ترك الوظيفة لعدم انطباقها على واقعة
المرض المبرر قانونا، لكون الإدارة كانت ملزمة بسلوك مسطرة الفصل 42 من النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يخول الإدارة حق المراقبة والتثبت من الحالة
الصحية ومدى استمراريتها لترتب عليها الأثر القانوني اللازم بحسب طبيعة المرض
ودرجته وتأثيره على الوظيفة بدل مسطرة الفصل 75 مكرر.
وحيث إن تسرع الإدارة في
اتباع مسطرة ترك الوظيفة بعد يوم واحد من الغياب ثابت في الملف، لأنه لا يعقل أن
يحدد المشرع أجل السبعة أيام كإنذار للالتحاق بالعمل عن الغياب عن يوم واحد، لذلك
تعتبر مدة السبع الأيام بمثابة الحد الأدنى لمباشرة المسطرة، مما يكون معه القرار
الإداري المطعون فيه متسما بالانحراف في استعمال السلطة في الجانب المتعلق بتحويل
المسطرة بكيفية غير مشروعة حيادا على الضوابط القانونية
.
وحيث إن وضوح المركز
القانوني للطاعن يحتم الحكم بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب مع ما
يترتب عن ذلك من آثار قانونية."
المبحث الثاني
جوانب قصور الحكم بشان محاولة التوسع
في مفهوم القوة القاهرة
هل يعد المرض العقلي أو النفسي قوة قاهرة ؟
حسب المنظور الذي ذهب إليه ليه حكم المحكمة الادارية بالرباط، فالمرض العقلي أو
النفسي المصاب به الموظف المعزول حالة اضطرارية وليست إرادية نظرا لكونها ترقى إلى
مرتبة القوة القاهرة، وهو بذلك يكون قد سار على منوال بعض الاجتهادات القضائية الوطنية
أو المقارنة.
فبالنسبة للقضاء المغربي، نجد على سبيل المثال أن قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش بتاريخ 08/05/2012 تحت
عدد 448 في الملف 485/5/10 " حالة الخلل العقلي والاضطراب النفسي المثبت عن
طريق فحوصات وتقارير طبية مانع يجعل الطعن المقدم خارج الآجال القانونية المنصوص
عليها في المادة 23 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية طعن مقبول لوجود حالة قوة
قاهرة وضرورة مانعة من ممارسة حق الطعن داخل آجاله القانونية ".
علاوة
على ذلك، سبق لمحكمة النقض في قرارها رقم 750 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2011 في الملف الإداري عدد 711 /
2010/1/4 في واقعة أخرى أن عللت منطوقه بما يلي: "حيث يؤخذ من أوراق
الملف، ومحتوى القرار المطلوب نقضه الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط
بتاريخ 13 2010/1/ في
الملف رقم2235/08/ أن
المطلوب في النقض السيد .... تقدم بمقال إلى المحكمة الإدارية
بالرباط التمس فيه بسبب الشطط في استعمال السلطة إلغاء مقرر العزل الصادر عن السيد
وزير الداخلية المؤرخ في 5/12/2005 من
وظيفته كرجل إطفاء، موضحا في طعنه أنه أصيب بمرض عقلي اضطره إلى التوقف عن عمله حيث
تدهورت حالته الصحية سنة 2005 (سنة صدور القرار) الذي لم يراع هذه الحالة
واعتبره في حالة ترك الوظيفة وطبق في حقه مقتضيات الفصل 75 مكرر من
القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، وبعد المناقشة صدر الحكم مستجيبا
للطلب وهو الحكم الذي تأيد استئنافيا بمقتضى القرار المطلوب نقضه.
حيث يعيب الطالب القرار
المطعون فيه في وسائل النقض مجتمعة للارتباط بخرق
القانون وعدم الاختصاص والشطط، ذلك أن من الثابت من وثائق الملف أن
الإدارة وجهت للمطلوب في النقض إنذارا للالتحاق بعمله بآخر عنوان مصرح به
ولجأت بعد ذلك إلى توقيف راتبه، ومع ذلك أصر على عدم الالتحاق بعمله مما
كانت معه الإدارة محقة في تقرير عقوبة العزل في حقه لتوافر شروط إعمال المقتضيات
المتعلقة بترك الوظيفة.
لكن، حيث إن الغياب من
طرف الموظف المبرر لسلوك الإدارة المسطرة المنصوص
عليها بالفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وهي
حالة ترك الوظيفة يجب أن يكون غيابا غير مبرر. أما الغياب الذي يقع لسبب
خارج عن إرادة الموظف كما هو الوضع في النازلة، فلا يمكن اللجوء إلى المسطرة
المذكورة وهو ما سارت عليه محكمة الاستئناف في قرارها المطعون فيه
حينما لاحظت بأن المطلوب في النقض الذي وجه له الإنذار باستئناف عمله يوم
27/8/ 2005 ولحقه
مقرر إيقاف أجرته بتاريخ 13/10/ 2005 ثم
قرار العزل الذي صادف يوم 5/ 12 /2005،
وهي فترات صادفت معاناته مع مرض ألم به وكان في غير وعيه حسب الشهادتين الطبيتين
الصادرتين عن الدكتور ........... الاختصاصي في الأمراض العقلية والنفسية الذي
منحه كل شهادة منهما رخصة مرضية لمدة 6 أشهر منذ 9/8/2005، مستنتجة منذ ذلك أن حالته المرضية كانت اضطرارية ومنعته بسبب
القوة القاهرة من الاستجابة للإنذار الذي
وجه له للالتحاق بعمله، مستنتجة من ذلك أن سلوك الإدارة لمسطرة ترك الوظيفة
في حق المطلوب في النقض غير مبرر بالنظر لحالته الصحية ولملفه الطبي مما يجعل ما
أثير بدون أساس" .
أما بالنسبة للقضاء الأجنبي، فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 10 فبراير 1998 أن المرض بمثابة
قوة قاهرة ويجعل تنفيذ الالتزام التعاقدي في المجال المدني بناء على مقتضيات الفصلين
1147 و 1148 مستحيلا في إبانه [2]. كما
صدر عن نفس المحكمة قرار اخر صدر بتاريخ 14 أبريل [3]2006
يؤكد المنحى الذي ذهب إليه سابقه.
وهو
نفس الرأي الذي نحت إليه المحكمة الإدارية العليا بمصر[4] حينما قضت بأن:
" المشرع قرر سريان
ميعاد رفع الدعوى طعناً على القرار الإداري بدءاً من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية
أو النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به، وكل هذه الحالات
يجمعها قاسم مشترك واحد هو العلم اليقيني بالقرار، فطالما لم يتحقق على أي وجه
انتفى مناط سريان الميعاد، و العكس صحيح، فما لم يتصل علم ذي الشأن بالقرار الصادر
في حقه فلا يبدأ له سريان، فالقاعدة الأصولية أنه لا تكليف بمستحيل، ولا تثريب
لأثر التكليف في غفلة من أهله أو المكلفين به، والغفلة مرجعها أمور كثيرة منها فقد
الإدراك لمرض أو علة في النفس أو العقل، تذر المريض بمعزل عما يدور حوله من أحداث،
وما يتخذ به من إجراءات، لذلك كان منطق الحق و العدل أن يرفع عنه القلم رفعاً يوقف
كل أثر لهذه الإجراءات، ولا يعود لهذا القلم مسيرة حتى يبرأ من سقمه ومرضه وتستقر حالته
استقراراً يمكنه من مباشرة تلك الإجراءات ومواجهتها
.
وقد جرى قضاء هذه
المحكمة على أن المرض العقلي يعتبر من الأعذار التي ترقى إلى مرتبة القوة القاهرة
في مجال منع المريض من مباشرة دعوى الإلغاء في ميعادها القانوني، الأمر الذي يجعل
هذا الميعاد موقوفاً بالنسبة إليه، وعلى ذلك فلا يكون ثمة محل للقول بأنه فوت
ميعاد رفع دعوى الإلغاء .
ومن حيث إنه إعمالاً لما
تقدم، فإن الثابت من الأوراق أن السيد............كان يعمل بوظيفة من وظائف
الخدمات المعاونة بجامعة... وأدخل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية ....... التابع
لوزارة الصحة بتاريخ 10/3/1994
، و مكث بها حتى 19/10/2003 حيث كان يعالج ويعاني نوبات صرع وهلوسة شديدة وحادة، وخرج
في التاريخ الأخير بعد أن استقرت حالته، وبتاريخ 9/3/1994 و خلال تواجده بالمستشفى
صدر القرار المطعون فيه رقم 126 لسنة 1994 بإنهاء خدمته للإنقطاع، لما كان ذلك وكان
الثابت بيقين أن مرض الصرع الذي كان يعانيه المذكور قد أطبقت عليه حلقاته حيناً من
الدهر نيف على التسع سنوات، بما لا يسوغ عقلاً و لا عدلاً عن هذا العلم، فلا يبدأ
إلا من وقت استقرار حالته المتحقق بتاريخ 19/10/2003، متى وجه إليه إخطار أو إعلان
علم به أو علم به يقيناً على أي وجه تنطق به الأوراق، ومتى كان الثابت من الأوراق
أن المذكور قد تظلم إلى جهة الإدارة مصدرة القرار بتاريخ 26/10/2003، وهو ما يعتبر في ذات الوقت تاريخاً لعلمه بهذا القرار، وإذ أقام
دعواه بتاريخ 18/11/2003 أي خلال المواعيد المقررة، فمن ثم تكون الدعوى مقبولة
شكلاً، ....و
لا ينال من ذلك ما تساند إليه الحكم المطعون فيه في مجال قضائه بعدم قبول الدعوى
من أن المدعي تقدم إلى جهة الإدارة بتاريخ 3/10/2000 بطلب لإعادة تعيينه، مما يعد
دليلاً على علمه اليقيني بهذا القرار، فذلك مردود بأنه بفرض صحة واقعة تقدمه بذلك
الطلب فإن علمه بما اتخذ أو يتخذ من إجراءات و إدراكه بأثر ذلك إيجاباً أو سلباً،
هذا وذلك يشوبه النقص إن لم يكن العدم في ظل اتصال مرضه العقلي حتى بعد هذا
التاريخ ذهاباً بالعلم المزعوم، و وفقاً لميعاده
.
ومن حيث إنه إعمالاً لما
تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المدعي كان يعمل بوظيفة من وظائف الخدمات
المعاونة بجامعة الأزهر- فرع البنات – و انقطع عن عمله اعتباراً من 26/2/1994 ، وأدخل مستشفى الأمراض النفسية و العصبية
التابع لوزارة الصحة بكفر العزازي بأبو حماد شرقية ، اعتباراً من 9/3/1994 مكث بها
حتى 19/10/2003 حيث
كان يعالج و يعاني نوبات صرع و هلوسة شديدة و حادة ، وخرج في التاريخ الأخير بعد
أن استقرت حالته ، و بتاريخ 9/3/1994 – و خلال تواجده بالمستشفى صدر القرار المطعون
فيه رقم 126 لسنة 1994 بإنهاء خدمته اعتباراً من 26/2/1994 للإنقطاع عن العمل،
ولما كان ذلك ، فإنه و لئن كان دخول المدعي المستشفى للعلاج مما أطبق عليه من مرض
الصرع قد جاء في تاريخ لاحق للإنقطاع ، إلا انه فضلاً عن أنه لم يكن النصاب الزمني
للإنقطاع الموجب لإنهاء الخدمة وقت دخوله المستشفى قد اكتمل بعد في الفترة من
26/2/1994 حتى 9/3/1994
، إذ لم تجاوز خمسة عشر يوماً ، فضلاً عن ذلك فإن مألوف العادة و المجرى العادي
للأمور أن تشخيص المرض بدءً من 9/3/1994 بأنه صرع وهلوسة هو أمر كاشف عن الإصابة
به في تاريخ سابق تزيد مدته أو تقل حسب الأحوال، لكن المقطوع به أنها لم تأت وليدة
اللحظة أو بوم الدخول، مما يرسخ اليقين أن مرض المدعي المزمن قد أدركه منذ انقطاعه
في 26/2/1994، إن لم يكن قبل، وهو ما تنتفي به القرينة على أن هذا الانقطاع كان
بنية هجر الوظيفة، واستدبار واجباتها، وهو ما تفقد معه أحكام الاستقالة الضمنية
مناط إعمالها، هذا
إلى أن الأوراق قد جاءت خلواً مما يفيد سابقة إنذار المدعي قبل إنهاء خدمته، مما
يفتقد معه القرار المطعون فيه أحد اشكاله الجوهرية، ومن ثم يكون مشوباً بمخالفة
القانون ، بما يستوجب الحكم بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما تقضي به
المحكمة ".
غير أننا لا نشاطر بتاتا الطرح الذي تبنته المحكمة الإدارية في نازلة الحال،
لأن في ذلك محاولة للتوسع في مفهوم القوة القاهرة المنظم بموجب الفصل 269 من قانون
الالتزامات والعقود، إذ نرى أن الموقف المعبر عنه من لدنها لم يكن صائبا، مما
يجعله معرضا للانتقاد ومحط نقاش بحيث يمكن الوقوف على مكامن قصوره من عدة جوانب، نلخصها
في ما يلي:
1-أنه بالرجوع إلى مضامين النص المعتمد من طرف الهيئة القضائية المصدرة للحكم،
فإنه يشير إلى مفهوم القوة القاهرة باعتبارها: "كل
أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف
والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ
الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة
القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل
العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل
القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".
إذن، يستفاد من الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود غياب التنصيص على المرض
العقلي أو النفسي، بل وحتى إذا سلمنا بأن مقتضياته جاءت على سبيل المثال فقط لا الحصر
ويمكن اعتبار أن المرض العقلي يندرج ضمن لائحة الأمور الواردة فيه، فإن ذلك غير
مستساغ على أساس أن هذه الاخيرة مرتبطة بعوامل موضوعية خارجية لا دخل للإنسان فيها
وليست عوامل ذاتية متعلقة بحالته الجسمية أو النفسية أو الفكرية، بل هي أسباب
قاهرة وليست قوة قاهرة.
2-أن المرض (العقلي والنفسي) المنظم قانونا ببلادنا إذا كان تقديره متروك وخاضع
للقضاء بناء على الفصل 54 من قانون الالتزامات والعقود، فإنه لا يمكن الاعتداد به
بالنظر إلى اختلاف السياق بينه (عيوب الإرادة أو الرضى) وبين الظروف المحيطة
بالنازلة التي نحن بصددها.
وعليه، ينبغي الاستناد على أحكام مدونة الأسرة، لأن الموظف ينتمي إلى طائفة
الشخص ناقص الأهلية. فحسب المادة 216 من
مدونة الأسرة، "المعتوه
هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته ".
وعملا بالنص المذكور، تعد أهلية أداء الموظف ناقصة لأن المادة
213 من القانون الأسري المغربي عبرت بصراحة عن ذلك بقولها: "يعتبر ناقص أهلية
الأداء:
1- الصغير
الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد؛
2- السفيه؛
3- المعتوه
".
أما إذا اعتبرناه مجنونا،
فإن أهليته تكون منعدمة بصفة كلية وفقا لما نصت عليه المادة 217 من نفس المدونة:
"يعتبر عديم أهلية الأداء:
أولا: الصغير الذي لم
يبلغ سن التمييز؛
ثانيا: المجنون وفاقد
العقل.
يعتبر الشخص المصاب
بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة، كامل الأهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله
فيها.
الفقدان الإرادي للعقل
لا يعفي من المسؤولية ".
نستنتج من جميع المعطيات أعلاه، أن المرض العقلي والنفسي لا يقصد به القوة
القاهرة كما ارتأت المحكمة الادارية بالرباط وصفه وإنما مجرد عجز مؤقت يؤدي إلى
توقف ممارسة الموظف لعمله أو وظيفته مع احتفاظه بكافة الامتيازات المكتسبة (أداء
الراتب الشهري، الاستفادة من الترقية.........) إلى حين استئنافه. والدليل على ذلك،
ما ورد في قرار المجلس
الأعلى صادر بتاريخ
15/01/2008 بكون "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه،
ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، ولا يعتبر المرض من القوة القاهرة،
ويجب إعلام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالتوقف عن العمل خلال 15 يوما
الموالية للتوقف ".لهذا، نرى أن المرض العقلي أو النفسي يمكن اعتباره سببا قاهرا
وليس قوة قاهرة. وكان حريا بالمحكمة وصف المرض العقلي أو النفسي الذي أصيب به
الموظف المدعي حالة اضطرارية أثر على تصرفاته وعلى وضعيته الصحية، وأصبح على إثر
ذلك غير قادر على ممارسة وظيفته، لا سيما مع ارتفاع وتنامي ظاهرة الأمراض داخل
محيط العمل أو خارجه بسبب ضغوط الحياة وأعبائها وكذا الواقع المعيش. كما كان
للإدارة الحق في تتبع حالته عن طريق المراقبة خصوصا أن المرض قد يكون قابلا
للعلاج.
إن الحكم الاداري الذي تطرقنا إليه شكلا وموضوعا يعد انتصارا للقواعد التشريعية
الرامية إلى إقرار حماية قانونية لفائدة الطرف الضعيف بناء على مركزه من خلال إعادة
التوازن إلى العلاقة المنسوجة بينه وبين الطرف الاخر.
ورغم تمسك الإدارة بكون القاضي الاداري ليس من صلاحياته إعطاء أوامر لها، فإن
العكس هو الصحيح، إذ أن القانون رقم 41-90 يخول للمحاكم الادارية البت في الطعون
المقدمة ضد القرارات النابعة عن الادارات. ولما كان الوضع كذلك، فإنها عند إصدارها
للأحكام والقرارات، تأمر الاطراف المعنية أو المخاطبة بها بتنفيذها حرفيا وإلا
فالشخص الذي يمتنع عن ذلك بدون عذر مقبول أو يرفض الامتثال لها يقع مباشرة تحت
طائلة تحقير مقرر قضائي المعاقب عليه قانونا أو تحت طائلة الغرامة التهديدية.
ومع ذلك، فالحكم القاضي بتسوية وضعية الموظف الادارية والمالية عن طريق إرجاعه
إلى عمله وبواسطة العودة إلى الحالة التي كان عليها الأطراف قبل صدور قرار العزل
لن يفيد الأخير كثيرا من الناحية التطبيقية، لأنه في معظم الاوقات تستخدم الإدارة كل
الوسائل المتاحة للضغط عليه ودفعه الى ارتكاب أفعال من شأنها المساعدة على إنهاء
العلاقة النظامية التي تربطها به بشكل يبدو مشروعا.
ومن وجهة نظرنا البسيطة، لا بد أن يأتي الحل لهذه الاشكالية عبر المدخل
التشريعي الذي ينبغي أن يسمح للقضاء بتتبع فعلي للأحكام التي يصدرها بخصوص إرجاع
الموظفين إلى مناصبهم في أسلاك الإدارة المعزولين منها تعسفيا وذلك بفرض مجموعة من
الاجراءات المواكبة والمصاحبة في صيغة أوامر في سبيل ضمان عدم تعرضهم للابتزاز أو
الإهانة أو التشويش.
ونظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات، فالإدارة بوسعها أن تمنح الموظف المريض كما
هو الحال بالنسبة للنازلة التي ناقشناها العمل المناسب والوظيفة الملائمة لحالته
الصحية إلى حين الاستقرار النهائي لها وتعافيه.
•••• الهامش ••••
[1] كحكم المحكمة
الإدارية بالرباط رقم 852 الصادر بتاريخ 12 يونيو 2006 ملف عدد 444-1-05 الذي صرح
بما يلي " حيث يهدف الطعن إلى إلغاء قرار العزل عدد............الصادر
عن وزارة التربية الوطنية بتاريخ 8 ماي 2000 مع ترتيب الآثار القانونية.
وحيث تمسك السيد الوكيل القضائي بكون
الإدارة التزمت بتطبيق مقتضيات الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية تطبيقا
سليما و كاملا سيما و أن الشهادات الطبية التي تقدم بها الطاعن لا تعطي كامل المدة
التي تغيب فيها و الممتدة من 17-02-1999 تاريخ صدور القرار المطعون فيه إضافة إلى
صدورها عن طبيب في الطب العام و ليس عن طبيب مختص.
لكن حيث انه من الثابت من استقراء
مضمن الشهادة الطبية المؤرخة في 9-02-2006 الصادرة عن المركز الصحي بكلميم أن
الطاعن أصيب منذ سنة 1998 باختلال عقلي موصوف يتجلى في ارتباك و إفراط الفعالية
المشوشة و هذر غير مترابط و غير مفهوم و فقدان للإحساس بالزمان و المكان,كما أنه
من الثابت من الشهادة الطبية الصادرة عن
الدكتور..............بمستشفى............بتزنيت أن الطاعن مصاف بمرض الصرع فكان
غير مستقر و غير قادر على ممارسة وظائفه بصورة صحيحة منذ 28-01-1998 إلى غاية
1-9-2001 بمعنى أن حالته هاته تستغرق الفترة المتنازع بشأنها و الممتدة من
17-2-1999 إلى 8-5-2000.
و حيث إن الحالة العقلية للطاعن من
شأنها أن تفقده عنصر الإرادة في ترك الوظيفة باعتباره أساس تفعيل مقتضيات الفصل 75
مكرر أعلاه.
و حيث انه و الحالة هاته يتعين
التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه ".
[2]
" Cour de Cassation Chambre civile 1 du 10 février 1998 "Attendu que l'Ecole Saint-Louis fait grief à l'arrêt d'avoir exonéré Mme................. de son obligation, alors que la maladie de
celle-ci qui ne lui était pas extérieure et ne l'empêchait pas de payer le prix
de l'inscription, ne pouvait pas être considérée comme un cas de force majeure
; qu'en décidant le contraire, la cour d'appel a violé les articles 1147 et
1148 du Code civil ;
Mais attendu qu'ayant constaté qu'en raison
de sa maladie, Mme.................. n'avait pu suivre l'enseignement donné par
l'Ecole, la cour d'appel a justement considéré que cette maladie, irrésistible,
constituait un événement de force majeure, bien que n'étant pas extérieure à
celle-ci ; que le moyen n'est pas fondé ;
PAR CES MOTIFS : REJETTE le pourvoi "
[3] Cour de cassation Arrêt n° 538 du 14 avril 2006
" Attendu que M. X... fait grief à l'arrêt d'avoir rejeté sa demande de
dommages-intérêts alors, selon le moyen :
1°) qu'en estimant que
la maladie dont a souffert M. ................. avait un caractère imprévisible, pour en déduire qu'elle
serait constitutive d'un cas de force majeure, après avoir constaté qu'au
7 janvier 1998, date à laquelle M................... a fait à son cocontractant la proposition qui fut acceptée
de fixer la date de livraison de la commande à la fin du mois de
février 1998, M......................
savait souffrir, depuis plusieurs mois, d'une infection du poignet droit
justifiant une incapacité temporaire totale de travail et se soumettait à de
nombreux examens médicaux, la cour d'appel n'a pas tiré les conséquences
légales de ses propres constatations et violé, en conséquence,
l'article 1148 du code civil ;
2°) qu'un événement
n'est pas constitutif de force majeure pour le débiteur lorsque ce dernier n'a
pas pris toutes les mesures que la prévisibilité de l'événement rendait
nécessaires pour en éviter la survenance et les effets ; qu'en
reconnaissant à la maladie dont a souffert M. ... Z... le caractère d'un cas de force majeure, quand elle avait
constaté que, loin d'informer son cocontractant qu'il ne serait pas en mesure
de livrer la machine commandée avant de longs mois, ce qui aurait permis à
M. ....X...
de prendre toutes les dispositions nécessaires pour pallier le défaut de
livraison à la date convenue de la machine commandée, M. .... Z... avait fait, le 7 janvier 1998, à son
cocontractant la proposition qui fut acceptée de fixer la date de livraison de
la commande à la fin du mois de février 1998, soit à une date qu'il ne
pouvait prévisiblement pas respecter, compte tenu de l'infection au poignet
droit justifiant une incapacité temporaire totale de travail, dont il savait
souffrir depuis plusieurs mois, la cour d'appel n'a pas tiré les conséquences
légales de ses propres constatations et violé, en conséquence,
l'article 1148 du code civil ;
Mais attendu qu'il
n'y a lieu à aucuns dommages-intérêts lorsque, par suite d'une force majeure ou
d'un cas fortuit, le débiteur a été empêché de donner ou de faire ce à quoi il
était obligé, ou a fait ce qui lui était interdit ; qu'il en est ainsi
lorsque le débiteur a été empêché d'exécuter par la maladie, dès lors que cet
événement, présentant un caractère imprévisible lors de la conclusion du
contrat et irrésistible dans son exécution, est constitutif d'un cas de force
majeure ; qu'ayant retenu, par motifs propres et adoptés, que seul
M..................... était en mesure de réaliser la machine
et qu'il s'en était trouvé empêché par son incapacité temporaire partielle puis
par la maladie ayant entraîné son décès, que l'incapacité physique résultant de
l'infection et de la maladie grave survenues après la conclusion du contrat
présentait un caractère imprévisible et que la chronologie des faits ainsi que
les attestations relatant la dégradation brutale de son état de santé faisaient
la preuve d'une maladie irrésistible, la cour d'appel a décidé à bon droit que
ces circonstances étaient constitutives d'un cas de force majeure ;
D'où il suit que le moyen n'est fondé en aucune de ses branches ;
D'où il suit que le moyen n'est fondé en aucune de ses branches ;
PAR CES MOTIFS : REJETTE le pourvoi ".
[4] الطعن رقم 14879 لسنة 55 ق – جلسة 19/2/2011 – مجلة هيئة قضايا الدولة
– العدد الثاني
– السنة الخامسة والخمسون – 2011 – ص
182 وما بعدها.
(*) باحث في الشؤون القانونية، عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية، عضو
المنتدى الوطني لأطر الإدارة القضائية الباحثين.