ياسين بوفوس (*)
موضوع بلغ مبلغ الظاهرة بالمغرب، سلوك محرم دينيا، مجرم قانونيا ومدان اجتماعيا،
سلوك جعل العلاقة التي أساسها الطاعة سلوكا مضطربا تعتريه مطبات ومشاكل شتى، التي
قد تصل أحيانا إلى درجة العنف، الضرب، الشتم، القتل، وقد تصل إلى التخلي.
العنف ضد الأصول من الجرائم الخطيرة التي غالبا ماتنتهي بمأساة كبيرة يروح ضحيتها
أب أو أم، فما موقف المشرع المغربي منه؟ وكيف نظم الإسلام علاقة الآباء بالأبناء
بعضهم ببعض؟
يطلق العنف في اللغة فيراد به الشدة والقوة [1]
وهو ضد الرفق وعدم الرحمة،
واصطلاحا فكل قد قاربه من زاويته الخاصة غير أننا نجده
كثيرا ماينصب على العنف
ضد المرأة أو الطفل؛ وما يهمنا في هذه الدراسة هو ذاك
العنف المتعلق بالأصول أو الولدين، العنف الذي أدانه الشرع قبل القانون، وترفضه
الضمائر السليمة، فمن الناحية القانونية فقد نص القانون على المتابعات التي تكون
في هذه الحالات التي نص عليها الفصل 404 و401 و402 و403 من القانون الجنائي وفصل
فيها، بحيث أن كل فصل من هذه الفصول يحدد العقوبة السجنية لكل حالة وذلك باختلاف
طريقة الاعتداء، فالفصل 404 من القانون الجنائي المغربي نص على أنه يعاقب كل من
ارتكب عمدا جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف والإيذاء ضد أحد أصوله أو ضد
كافله أو ضد زوجه ( كما ربط هذا القانون بمجموعة من الفصول : الفصل 400، 401، 402،
403 )، بحيث تضاعف العقوبة في الحالات المنصوص عليها في الفصول السالفة الذكر خاصة
الفصلين 400 و 401 حسب كل حالة وحسب التفصيلات المشار إليها فيهما [2]، في الحالة
المنصوص عليها من الفصل 402 من القانون الجنائي المغربي فإنه يعاقب بالسجن من عشر
إلى عشرين سنة، وبالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المنصوص عليها في
الفقرة الثانية من نفس الفصل من القانون الجنائي المغربي، وبنفس المدة في الحالة
المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 403 من القانون الجنائي فيعاقب بالسجن
المؤبد.
أما الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة فقد حصرها
العديد من علماء علم النفس [3] وعلماء علم الإجتماع [4] إلى أن عوامل تطور ظاهرة
العنف ضد الأصول يرجع أساسا إلى استهلاك المخدرات بمختلف أنواعها لكونها تؤثر
أساسا على الأجزاء التي تتحكم في انفعالات الشخص، كما وقد ترجع أسباب هذه الظاهرة
إلى سوء العلاقة بين الآباء والأبناء بسبب سوء المفاهيم وحصر هذه العلاقة على أنها
علاقة خدمة ومصلحة، كما ويشكل العامل الاقتصادي أساسا لهذه الظاهرة، دون الإغفال
أيضا عن عامل سوء التربية ويلعب الوازع الديني أساسا في تطور هذه الظاهرة فكيف نظم
الإسلام علاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الأبناء بالآباء ؟
الإسلام دين الرحمة، دين الحب والبر ورعاية الجميل، وهو إلى ذلك دين الحق في كل مايقرر .. ولقد نظم الإسلام العلاقة القائمة بين الأفراد فيما بعضهم تنظيما عظيما، قائمة على أسس ومبادئ شرعية، ومن أقوى الصلات صلة الرحم بالزيارة، بالسؤال وبالدعم المالي والمعنوي، وذلك بلا تعال وبكل مودَّة واحترام وإخلاص، ومن أعظم هذه الصلات صلة الوالدين وبرهما يقول الله تعالى : ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾ [4] وقد عد الإمام القرطبي في هذه الآية ثلاث عشرة مسألة [5] ، الأولى في بيان المقصود بقوله "قضى" بمعنى أمر وألزم وأوجب والمسألة الثانية أن الله تعالى أمر عباده بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ، كما قرن شكرهما بشكره، وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما ; كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما . وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه ، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية؛ كما وعد الإمام ابن العربي في الآية خمس مسائل [6] وربطها بمجموعة من الأدلة من السنة النبوية كما ورد في الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين" ، كما وناقش الإمام ابن العربي في المسألة الثانية في تفسيره قضية مهمة نجدها حاضرة بشكل كبير في مجتمعنا المغربي ألا وهي سب الوالدين، فبين أن من الأسباب الداعية إلى بر الوالدين الإحسان إليهما وألا نتعرض لسبهما مشارا لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمرو أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قيل : يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل [ ص: 185 ] والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه"، ومسألة البر هاته مرتبطة أيضا ببر الوالدين حتى ولو كانا على غير الإسلام.
وأخيرا ألا يمكننا القول على أن الأصول هم المسؤولون على تربية الفروع؟ فلو حرص الآباء على تربية وتنشئة أبنائهم تنشئة دينية مبناة على شرع الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن أسلوب الغلظة والشدة دون الخوف من أي رقيب شديد العقاب.
ولأهمية الموضوع وتشعبه نقف هنا ونأمل أننا قد وفقنا ولو قليلا فيما تطرقنا إليه في هذا الموضوع فمهما طال الحديث في هذا الموضوع فإن الآباء هم أساس وجوهر الحياة وهم جذور وأصل كل شخص، فنأمل أن تستيقظ بعض الضمائر النائمة وتصحح أخطاءها قبل فوات الأوان لأن الوالدين هما سبب السعادة والرزق والفرح بعد الله في الدنيا والآخرة وواجب علينا طاعتهما ورعايتهما نظرا إلى ما أبذلوه من جُهد وتعب في تربيتنا تربية صالحة، فما علينا إلا الإحسان والبر لهما بعد موتهم والدعاء والاستغفار لهم وإنشاء الأعمال الخيرية لهم.
الإسلام دين الرحمة، دين الحب والبر ورعاية الجميل، وهو إلى ذلك دين الحق في كل مايقرر .. ولقد نظم الإسلام العلاقة القائمة بين الأفراد فيما بعضهم تنظيما عظيما، قائمة على أسس ومبادئ شرعية، ومن أقوى الصلات صلة الرحم بالزيارة، بالسؤال وبالدعم المالي والمعنوي، وذلك بلا تعال وبكل مودَّة واحترام وإخلاص، ومن أعظم هذه الصلات صلة الوالدين وبرهما يقول الله تعالى : ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾ [4] وقد عد الإمام القرطبي في هذه الآية ثلاث عشرة مسألة [5] ، الأولى في بيان المقصود بقوله "قضى" بمعنى أمر وألزم وأوجب والمسألة الثانية أن الله تعالى أمر عباده بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ، كما قرن شكرهما بشكره، وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما ; كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما . وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه ، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية؛ كما وعد الإمام ابن العربي في الآية خمس مسائل [6] وربطها بمجموعة من الأدلة من السنة النبوية كما ورد في الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين" ، كما وناقش الإمام ابن العربي في المسألة الثانية في تفسيره قضية مهمة نجدها حاضرة بشكل كبير في مجتمعنا المغربي ألا وهي سب الوالدين، فبين أن من الأسباب الداعية إلى بر الوالدين الإحسان إليهما وألا نتعرض لسبهما مشارا لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمرو أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قيل : يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل [ ص: 185 ] والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه"، ومسألة البر هاته مرتبطة أيضا ببر الوالدين حتى ولو كانا على غير الإسلام.
وأخيرا ألا يمكننا القول على أن الأصول هم المسؤولون على تربية الفروع؟ فلو حرص الآباء على تربية وتنشئة أبنائهم تنشئة دينية مبناة على شرع الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن أسلوب الغلظة والشدة دون الخوف من أي رقيب شديد العقاب.
ولأهمية الموضوع وتشعبه نقف هنا ونأمل أننا قد وفقنا ولو قليلا فيما تطرقنا إليه في هذا الموضوع فمهما طال الحديث في هذا الموضوع فإن الآباء هم أساس وجوهر الحياة وهم جذور وأصل كل شخص، فنأمل أن تستيقظ بعض الضمائر النائمة وتصحح أخطاءها قبل فوات الأوان لأن الوالدين هما سبب السعادة والرزق والفرح بعد الله في الدنيا والآخرة وواجب علينا طاعتهما ورعايتهما نظرا إلى ما أبذلوه من جُهد وتعب في تربيتنا تربية صالحة، فما علينا إلا الإحسان والبر لهما بعد موتهم والدعاء والاستغفار لهم وإنشاء الأعمال الخيرية لهم.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه اجمعين.
•••• لائحة المراجع ••••
[1] : لسان العرب لابن منظور، ج10، حرف العين، مادة عنف، ص 304.
[2] : يرجع للفصول 401، 402، 403 من القانون الجنائي المغربي.
[3] : الأستاذ عصام بنعلال/ محمد بنزاكور مختص في علم النفس الاجتماعي.
[4] : الآية 24-23 من سورة الإسراء.
[5] : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج17، تفسير الآية 23 - 24 من سورة الإسراء،
ص284.
[6] : أحكام القرآن لابن العربي، ج3، ص177.
(*) طالب بكلية الشريعة والقانون
-ابن زهر-