(*) محماد الفرسيوي
المقدمة:
جبل الإنسان
ميالا بطبعه للحركة والاجتهاد والإبداع من أجل تحقيق أغراضه ومتطلباته، بهدف ضمان
استمراره وبقائه ذلك أن الإنسان كائن متحضر يحتاج على الدوام لظروف عيش أحسن وأرقى
ومن تم فهو يتميز تميزا عميقا وجذريا عن باقي الكائنات التي خلقها الله[1]. والوسيلة
المنطقية التي يلبي بها الإنسان كل احتياجاته ويعبر بها عن أفكاره ويترجم بواسطتها
إبداعاته واكتشافاته هو العمل أو الشغل[2]،
فالعمل هو ركيزة المجتمع وسبيل تطوره واستمراره وهو العمود الفقري للحياة والوسيلة
الفعالة التي مكنت الإنسان عبر
مراحله التاريخية الطويلة مقاومة سلبيات الطبيعة.
ولضمان
استقامة هذا العمود الفقري وتحقيق العدالة الإجتماعية أوجد المشرع
المغربي منظومة تشريع الشغل الخاصة
بأكبر شريحة في المجتمع وعلى رأسها
مدونة الشغل، إلا أن هذه الأخير نظمت وأحالت في
نفس الوقت مهمة تنظيم مجموعة
من العلاقات الشغلية لقوانين خاصة، ومن بين هذه
القوانين قانون 12 ـ 19
بحيث جاءت
(المادة 4) من مدونة الشغل لتنص على أنه "يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل
المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت". وبعد مخاض عسير والاشتغال في إطار من الفراغ التشريعي أوفى المشرع المغربي بذلك الوعد الذي كان قد قطعه على
نفسه في المادة 4 من مدونة الشغل عندما استثنى صراحة فئة العاملات والعمال المنازل
من الخضوع لقواعد مدونة الشغل.
حيث كان عليهم أن
ينتظروا إلى غاية 02 أكتوبر 2018 وهو اليوم الذي تحقق فيه ذلك الوعد، ودخل القانون
رقم 12ـ 19 حيز النفاذ الخاص بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات
والعمال المنزليين.
هذا المولود الجديد جاء متكونا من 27 مادة والتي تنقسم على 5 أبواب
وذلك عن النحو التالي:
الباب الأول: الأحكام العامة (المادة الأولى والثانية)
الباب الثاني: شروط تشغيل العاملات والعمال المنزليين (المواد من 3 إلى 12)
الباب الثالث:مدة العمل والراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام العطل
(المواد من 13 إلى 18)
الباب الرابع: الأجر (المواد من 19 إلى 21)
الباب الخامس: المراقبة والعقوبات (المواد من 22 إلى 27).
المحور الأول: أوجه الحماية في القانون 12 ـ 19
إن اجتماعية القاعدة القانونية تتطلب من آلة
التشريع الاستجابة لحاجات المجتمع، وهذا ما حصل بالنسبة لهذا القانون رقم 12 ـ 19
الذي انتظرته الترسانة القانونية منذ زمن بعيد لتدعيم الحماية للفئات الإجتماعية
الهشة.
إن أول ما عمل عليه المشرع في القانون 12 ـ 19 هو الجهاز المفاهمي حيث
حدد مفهوم العامل المنزلي،[5] والمشغل وكذلك العمل المنزلي، وهذا
أمر عادة ما يكون من اختصاص الفقه، وإعطاء هذه الفئة تسمية جديدة تنسجم مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين وكذلك استجابة لروح المواثيق الدولية القائمة
على احترام حقوق الإنسان.
كما استخدم
القانون مصطلح "العاملة أو العامل المنزلي" بصيغة المؤنث والمذكر في نفس
الوقت، عوضا عن مصطلح "خدم البيوت" الذي استخدمه مشرع مدونة الشغل،
سابقا والذي لقي انتقادا واسعا. والملاحظ
من خلال قراءة ( المادة الأولى) من هذا القانون أنه نحى نفس التوجه الذي سار عليه
المشرع في مدونة الشغل، حيث لم يعمد إلى إعطاء تعريف لعقد الشغل وإنما اكتفى
بتعريف أطراف هذا العقد، وإذا كانت مدونة الشغل قد وقفت على أهم عنصر في عقد الشغل
وهو عنصر التبعية فإن القانون 12ـ 19 لم يشر إلى هذا العنصر خلال تعريفه لأطراف
العقد .
ورغبة
من المشرع المغربي إضفاء حماية أكبر
للعلاقة الشغلية بين العاملات أو العمال المنزليين والمشغل اشترط كتابة عقد الشغل
وذلك من خلال ( المادة 3) من هذا القانون، حيث يتطلب إفراغ تراضي الطرفين في عقد
محدد المدة أو غير محدد المدة مكتوب مصادق على صحة إمضائه من قبل السلطة المختصة[6]، وذلك وفق نموذج محدد بنص تنظيمي[7]، والذي يوقع فيه المشغل والعاملة أو
العامل المنزلي، مع احترام أركان التعاقد الواردة بظهير الإلتزامات والعقود. كما
أوجبت ( المادة 3) تحرير العقد في ثلاثة نظائر تسلم نسخة منه للعامل المنزلي ويحتفظ
المشغل بنسخة منه، وأهم مستجد يمكن تسجيله في هذه المادة هو إيداع عقد الشغل لدى
مفتشية الشغل. ولعل تدخل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل في شكلية عقد الشغل،
وإيداع نسخة منهه لدى مفتشية الشغل، حماية الأجير، بمثابة رقابة قبلية لمفتش الشغل
على مضامين هذا العقد، ورتب عن مخالفة مقتضيات هذه المادة عقوبة زجرية تتمثل في
غرامة مابين 3000 و5000 درهم.
من أبرز الأسباب التي
ساهمت في خروج هذا القانون لحيز الوجود هو تلك الممارسات التي كانت تعاني منها
العاملات والعمال المنزليين خاص ما يتعلق بالوساطة في تشغيلهن، حيث أصبحت تجارة
للبعض إلى حد يشبه الإتجار في البشر، لكن هذا القانون جاء ليقطع السبيل أمام كل
هذه الممارسات، حيث أسنذ مهمة الوساطة لوكالات التشغيل الخصوصية المحدثة طبقا
لأحكام الكتاب الرابع من مدونة الشغل المتعلق بالوساطة في الإستخدام وتشغيل
الأجراء المرخص لها، ليمنع بذلك السماسرة والوسطاء الذاتيين من الوساطة تحت طائلة
عقوبات تتمثل في الغرامة التي تتراوح مابين 25000
إلى 30000 درهم مالم تكون هناك حالة العود التي يحكم فيها بضعف الغرامة
والحبس الذي تتراوح مدته ما بين شهر و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتن فقط.
كما جاء هذا القانون ليحديد سن التشغيل في 18
سنة كحد أدنى لا يجوز للمشغل النزول عنه، غير أن المشرع وكأنه لم يستسغ الانتقادات
التي تم توجيهها للقانون في صيغته الأولية كمشروع باعتماده لسن 16 سنة كحد أدنى،
حيت عمل على فتح الباب أمام إمكانية تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16
و 18 سنة وذلك خلال فترة إنتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا
القانون حيز التنفيذ.
ولتكريس حماية أوسع وبصفة أقوى في
العقود التي يبرمها الأشخاص بين 16 و 18 سنة،
خلال الفترة الانتقالية التي حددها المشرع في خمس سنوات، اشترط المشرع حصول
هذه الفئة على إذن مكتوب من أولياء أمورهم، ومصادق على صحة إمضائهم، قصد توقيع عقد
الشغل المتعلق بهم[8].
وقد رتب عن الإخلال بهذه المقتضيات عقوبات تتمثل
في غرامة ما بين 25000 إلى 30000 درهم، وفي حالة العود يحكم بضعف الغرامة وبالحبس
تتراوح مدته بين شهرين و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ورغبة من المشرع في تكريس الحماية اللائقة لهذه
الفئة التي لطالما انتظرتها، ولضمان مزيد
من الحماية منع القانون 12ـ19 تشغيل العاملات والعمال المنزليين الذين تتراوح
أعمارهم مابين 16 و 18 ليلا والأماكن المرتفعة وغير الآمنة، وحمل الأجسام الثقيلة،
وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة، وفي كل الأشغال التي تشكل خطرا
بينا على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالأدب
العامة[9]. وقد جاء مرسوم بعد ذلك يتمم لائحة
الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات والعمال المنازل[10]. وهو الأمر الذي يوجب على المشغل
اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة العاملات والعمال المنزليين وصحتهم، وكرامتهم عند قيامهم بالأشغال التي
ينجزونها تحت إمرته.
ولمزيد من الحماية فقد أوجب المشرع أن تعرض هذه الفئة وجوبا على فحص طبي كل ستة
أشهر على نفقة المشغل.
بالإضافة إلى تحديد ساعات العمل في الأشغال
المنزلية في 48 ساعة والتي تتوزع على أيام الأسبوع باتفاق بين المشغل والعاملة أو
العامل المنزلي، مع استثناء فيما يخص العاملات والعمال أقل من 18 سنة، والذين لا
يجب أن يشتغلوا أكثر من 40 ساعة في الأسبوع. مع راحة أسبوعية لا تقل مدتها عن 24 ساعة متصلة، وبما أن المشرع
يفسح المجال دائما أمام ظروف أكثر إنسانية وأكثر حمائية للعاملات والعمال
المنزليين فقد أعطى إمكانية تأجيل العطلة
الأسبوعية وتعويضها في حدود أجل 3 أشهر،
مع فرض عقوبات عن المشغل في حالة امتناعه أو تماطله عن أداء الأجر[11].
فضلا عن ذلك منح هذا القانون الأجير عطلة سنوية مدفوعة الأجر بشرط قضاءه ستة
أشهر متصلة في خدمة المشغل، على أن لا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عمل عن كل شهر، مع إعطاء الطرفين إمكانية أخرى
تتمثل في تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين
متتاليتين[12]. بالإضافة عن الراحة
المؤدى عنها خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية مالم يتفق الأطراف كذلك على تأجيل
الإستفادة منها[13]، فضلا عن الإستفادة من رخص
تغيب لأسباب عائلية محددة والتي حدد لها المشرع مددها[14] .
أما
فيما يخص أجر العاملة أو العاملة فيجب ألا يقل عن 60 بالمائة عن الحد الأذنى
القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة كما لم يعتبر
مزايا الإطعام والمسكن ضمن مكونات الأجر النقدية[15].
إلا أن تغيب العاملة أو العامل عن عمله بدون ترخيص يمكن أن يمس بهذا الأجر ما لم
يكون هناك اتفاق بين الطرفين يمنع من ذلك.
ولاستفادة العاملة أو العامل بعد انتهاء
عقد الشغل من تجربة العمل لدى المشغل، وتسهيلا لعملية البحث عن فرص أخرى أوجب
القانون 12ـ19 المشغل على تسليم الأجير شهادة شغل وذلك داخل أجل حدده المشرع في 8
أيام، وذلك تحت طائلة أداء تعويض، مع تحديد البيانات الواجب تضمينها بهذا الشهادة الواردة ( بالمادة 10).
كما أولى المشرع أهمية للتعلم حيث أعطى
العاملات والعمال المنزليين الحق من الاستفادة من برامج التربية والتكوين التي
توفرها الدولة، خاصة تلك البرامج التي تعنى بمحو الأمية والتربية غير النظامية
وبرامج التكوين المهني، وذلك بكيفية تحدد بمقتضى اتفاق بين المشغل والعاملة أو
العامل المنزلي ( المادة 11).
جاء الباب الأخير من هذا القانون ليؤكد على الجانب الزجري حيث نص على عقوبات
تنقسم إلى غرامات وكذلك عقوبات حبسية تتراوح مابين شهر و3 أشهر في حالة العود،
وهذا ما يمكن أن يعزز من الحماية القانونية لعاملات والعمال المنزليين.
المحور الثاني: أوجه القصور في القانون 12 ـ 19
بالرغم من
الحقوق والضمانات التي جاء بها القانون 19.12 الخاص بشرط
الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين والتي انتظرتها هذه الفئة وكذلك
الحقوقيون ومختلف الفاعلين في المجتمع المدني والمنظمات الدولية منذ صدور مدونة الشغل
ودخولها حيز التطبيق سنة 2004 إلى غاية صدور القانون الخاص بعمال المنازل سنة 2016 إلا
أن هذا القانون لم يسلم من مجموعة من الإنتقادات والمؤخدات التي شابت مجموعة من
نصوصه منذ أن كان مشروع إلى غاية دخوله
حيز النفاذ، أخذ المشرع بالبعض وغفل البعض
وأول هذه الملاحظات وأول هذه
الثغرات نجد أن المشرع في (المادة 2) من القانون
12ـ19 لم يأخذ بعين الإعتبار خصوصية العاملات، حيث أورد مجموعة من الأعمال
التي يكون من صميم أعمال العمال ( الذكور)، كما جاء هذا القانون مرتبطا بمجموعة من القوانين التنظيمية، والتي خرج منها
البعض لحيز الوجود[16] ومازال
البعض الأخر.
تكرار مجموعة من النصوص الواردة بمدونة
الشغل وندرج هنا مثال (المادة 7) والتي تقابلها (المادة 10) من القانون 99 ـ 65
حيث تنص على أنه " يمنع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو
جبرا "، كذلك ( المادة 9 ) والتي تتطابق مع (المادة 18) من مدونة الشغل،
والتي تنص على أنه "" يمكن
إثبات عقد الشغل بجميع وسائل الإثبات. إذا كان عقد الشغل ثابتا بالكتابة أعفي من
رسوم التسجيل".
عدم تحديد الأجر بدقة وعدم تسويته مع الأجر
المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة والمحدد في 60 بالمائة، وهو ما يؤكد بشكل ضمني اعتبار هذا
القانون للإطعام والمسكن بمثابة 40 بالمائة من الحد الأدنى القانوني لأجر العامل
المنزلي. فإذا كان بإمكاننا تحديد
القسط النقدي والذي لا يجب أن يقل عن 60 بالمائة من الحد الأدنى للأجور، بخلاف
القسط العيني الذي يصعب تحديد قيمته خاصة وأن عمال المنازل ليسوا فئة واحدة في
علاقتهم مع المشغل رب البيت، إذ أن هناك من يقيم في البيت ويستفيد من وجبات الأكل
والكسوة والتطبيب ومنهم من يمارس عمله طول النهار ليغادر لمسكنه في المساء،
وبالتالي يرى البعض على أن هذه المقابلات العينية يجب أن تدخل من باب التكافل
الاجتماعي ولا يجب المطالبة بمقابلها، أما إذا أدخلناها ضمن الأجر فإنه يجب توفير
الحيز المكاني المناسب للعاملة أو العامل، والذي تتوفر فيه التهوية والإضاء
والفراش[17]،
وغيرها من شروط العيش الكريم.
وفي هذا الشأن فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد في مذكرته المتعلقة بمقترحات
حول مشروع القانون 19.12 على أنه يجب تخفيض هذا القسط العيني تماشيا
مع ما سارت عليه العديد من الدول الأخرى، وعلى ضرورة احترام المحددات المشار إليها
في الفقرة الثانية من المادة 12 من الاتفاقية رقم 189؛ وهي ألا
تكون أقل موازاة مع تلك المطبقة على فئات أخرى من العمال، وضرورة موافقة العامل
على المدفوعات العينية، وأن تكون للاستخدام الشخصي للعامل ولمصلحته وأن تكون
القيمة النقدية المنسوبة لها عادلة ومعقولة[18].
إن خروج المرأة إلى سوق الشغل، وحاجتها إلى حماية
اجتماعية وقانونية فعالة، تعد من بين العوامل التي دفعت بالتشريعات المقارنة والتشريع المغربي إلى الاهتمام بوضعية المرأة، خاصة عندما تكون في حالة عجز عن أداء
الشغل بسبب الحمل والولادة،
وذلك بالنظر لأهمية الإنجاب كأنبل وظيفة اجتماعية أناطتها الفطرة بالمرأة. لكن بالرجوع إلى القانون 12ـ 19 نجد على أنه لم يحفظ حق المرأة الطبيعي في الحمل والولادة،
باستثناء ما أشارت إليه (المادة 15) في حق المرأة من استراحة خاصة للرضاعة مدتها
ساعة واحدة عن كل يوم وذلك خلال مدة 12 شهرا متوالية
إن إحالة العمال الأجانب على مدونة الشغل لتطبق
عليهم المقتضيات الواردة في البابين الخامس والسادس[19]، يشكل
نوع من التمييز بينهم وبين العاملات والعمال المنزليين المغاربة، حيث كان حريا
بالقانون المغربي إخضاعهم للقانون 12ـ19 إسوة بالعمال المغاربة فالعلة من إحالة (
المادة 4) من مدون الشغل على قانون خاص بالعاملات والعمال المنزليين هو عجز
قواعد مدون الشغل من توفير الحماية
اللازمة والكافية لهذه الفئة وكذلك رغبة
إحاطة هذه الطائفة بأكبر قدر من العناية.
لقد أوجبت ( المادة 3) تحرير
العقد في ثلاثة نظائر تسلم نسخة منه للعامل المنزلي ويحتفظ المشغل بنسخة منه ونسخة
تودع لدى مفتشية الشغل، لكن الملاحظ بخصوص هذا المقتضى أن هذا
القانون أغفل إمكانية تسليم نسخة أخرى لولي أمر العامل المنزلي الذي لم يبلغ بعد
سن 18 سنة، على الرغم من أنه نص على ضرورة توفره على إذن مكتوب من ولي أمره لإبرام
عقد الشغل.
وقد أغفل القانون مجموعة من الحقوق الواردة في
مدونة الشغل والتي يتمتع بها الأجراء، بحيث لم يبين القانون 12ـ19 مدى أحقية
العمال المنزليين في الحرية النقابية والحق في التنظيم النقابي وحق المفاوضة
الجماعية كما هو مقرر بالاتفاقية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين. وإذا كان لعمال المنازل
الحق في الحماية الاجتماعية طبقا للقانون رقم 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث
الشغل وظهير نظام الضمان الاجتماعي فإننا لم نجد أي نص بالقانون يربط ما بين عمال
المنازل وهذه الحماية، وهناك فراغ أيضا يتعلق بالتعويض عن الساعات الإضافية التي يمكن
أن تزيد عن الساعات المقررة بموجب القانون
كما
أغفل المشرع التطرق إلى كيفية إنهاء عقد
شغل العاملة أو العامل المنزلي وأسباب هذا الإنهاء، رغم أنه تطرق من خلال (المادة
21) إلى استحقاق العامل المنزلي لتعويض عند فصله، غير أنه اشترط على هذا العامل أن
يكون قضى ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل، وهي مدة طويلة
قد تدفع بعض المشغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل المنزلي قبل مرور تلك المدة
وتعويضه بعامل آخر، وكان الأجدر بالمشرع جعل هذه المدة في ستة أشهر كما هو الشأن
بالنسبة للمادة 52 من مدونة الشغل[20].
وباعتبار مفتشية الشغل أهم الأجهزة التي تراهن
عليها الدول من أجل تفعيل مقتضيات القانون
الاجتماعي قصد بلوغ النماء الاقتصادي والاجتماعي[21]،وتعزيز لدور الحمائي لفئة العمال، من خلال
دورها الرقابي عبر تلقي الشكايات، سواء التي يتقدم بها العاملات أو العمال ضد
المشغل أو المشغل ضد عاملته أو عامله المنزلي في كل ما يخص تنفيذ عقد العمل المبرم
بينهما. وكذلك إجراءات محاولات الصلح قبل اللجوء للقضاء، وما يمكن تسجيله هنا هو
حصر دور مفتشية الشغل في تلقي الشكايات وإجراء محاولات الصلح، في حين أن الرقابة
الحقيقة تفرض على مفتشية الشغل الإنتقال والوقوف عن المخلفات التي تقترفها
المشغلين.
إلا أن مهام مفتشية الشغل يواجه
بمجموعة من الصعوبات، كون العاملات والعمال المنزليين يعملون في منزل وليس في مؤسسة تجارية أو
مؤسسة صناعية أو مهنة حرة، ومن تم فطبيعة البيت أو حرمة المنزل تتنافى مع بعض
مبادئ قانون العمل التي تقتضي زيارة مفتش الشغل لمراقبة كيفية وظروف تنفيذ العمل
كما جرى به العمل في المؤسسات الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى مجموعة من السلوكيات والمعاملة
السيئة التي قد تمارس على العاملات والعمال المنزليين.
جاء الباب
الخامس كآخر باب من القانون رقم 19.12 ليؤكد على الجانب الزجري لهذا القانون من
خلال المواد ( 23 ) ( 24) ( 25)، حيث جعل من الغرامة عقوبة أصلية التي قد تصل إلى
30000 درهم ما لم تكن هناك حالة العود التي توصل العقوبة إلى الحبس الذي تتراوح
مدته ما بين شهر و ثلاث أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين، والملاحظ في هذه العقوبات
هو أن المشرع تقيد بالقواعد الموضوعية ولم يتطرق إلى خصوصية على المستوى الإجرائي.
الخاتــــمة:
لقد جاء القانون 12 ـ 19 لتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلق بالعاملات
والعمال المنزليين، لضرورة الأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية باعتباره
مصادقا على كل من الاتفاقية الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال
والإجراءات الفورية للقضاء عليها، والاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن
الاستخدام. وكذلك لملء الفراغ القانوني في مجال التشغيل المنزلي، ولوضع النقاط على الحروف في مجال كان يعرف عدة تجاوزات، تصل
للاستغلال الجنسي وحتى العبودية ليقر بمجموعة من الشروط، التي تنظم العلاقات بين الأجراء
بمشغليهم، وتحديد التزاماتهم المتبادلة لضمان حماية
فعالة وقوية وخالية من العيوب والثغرات لهذه الفئة العامة من المجتمع المغربي والتي تعاني في صمت.
•••• الهامش ••••
[1] ـ بشرى العلوي، الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، الطبعة
الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2007، ص 7.
[3] ـ قانون جاء بظهير رقم 1.16.121 صادر
في 6 ذي القعدة 1437 ( 10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل
والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين.
[4] ـ ويقصد
بالعمال المنزليين، فئة من اليد العاملة تقدم لفائدة المشغل خدمات ذات صلة بتدبير
شؤون البيت والأسرة مقابل أجر تتقاضاه من المشغل، وتثير العلاقة بين العامل
المترلي وبين صاحب البيت، شأنها شأن العلاقة بين الأجراء عموما والمشغلين، مجموعة من
المشاكل ذات الصلة بحقوق هذه الفئة ـ محمد بنحساین، أي حمایة للعمال المنازل في
مشروع قانون رقم 19.12، مقال منشور بمجلة القضاء المدني
العدد11 ، سنة 2015، ص 113.
[5] ـ عرفت الاتفاقية الدولية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال
المنزليين، العامل المنزلي بالقول "أي شخص مستخدم في العمل المنزلي في إطار
علاقة استخدام"
[6]ـ عدنان بوشان، قراءة في القانون 19.12المتعلق بتحدید شروط الشغل والتشغیل المتعلق بالعاملات
والعمال المنزلیین.مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال العدد 16شتنبر 2016، ص 53.
[7]ـ مرسوم رقم 2.17.355
صادر في ذي الحجة 31) 1438أغسطس (2017 بتحدید نموذج عقد العمل الخاص
بالعاملة أو العامل المنزلي الجریدة الرسمیة عدد:
2) 6609 أكتوبر (2017 5538.
[8] ـ إسماعيل
اليحياوي، المقتضيات الحمائية للعامل المنزلي من خلال قانون 12ـ19، المجلة
المغربية للحكامة القانونية، مجلة نصف سنوية محكمة، مطبعة الأمينة، الرباط، 2018،
ص 136.
[10]ـ هو المرسوم رقم 2.17.356 صارد في 6 محرم
1439 ( 27 سبتمبر 2017) بتتميم لائحة الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات
والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم مابين 16 و18 سنة.
ـ المرسوم رقم 2.17.355 صادر في ذي الحجة 138 ( 31 أغسطس
2017) بتحديد عقد العمل الخاص بالعاملة أو العمال المنزلي.
ـ المرسوم رقم 2.17.356 صارد في 6 محرم 1439 ( 27
سمبتمبر 2017) بتتميم لائحة الأشغال التي يمنع فيها تشغيل العاملات والعمال
المنزليين المتراوحة أعمارهم مابين 16 و18 سنة.
[17] ـ عفاف
البوعناني، الحماية القانونية للعمل المترلي في ظل مشروع قانون رقم،19.12،
رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، الموسم الجامعي2013/2012، ص
74.
[18] ـ المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة بشأن مشروع القانون رقم 19.12
المتعلق بشروط الشغل والتشغیل المتعلقة بالعمال المنزلیین، ص 10 ـ 11.
[20] ـ تنص المادة 52 من مدونة الشغل على:
"يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة، تعويضا عند فصله، بعد قضائه
ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها
أجره، وعن دورية أدائه".
[21] ـ أحمد تويس،
دور مفتشية الشغل في الحد من نزاعات الشغل، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية العلوم
القانونية والإقتصادية والإجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2008/2009، ص 58.
(*) محماد الفرسيوي، باحث.