المركز الوطني للدراسات القانونية ينظم
حلقة نقاشية حول زواج القاصرات بين الواقع والقانون
نظم
المركز الوطني للدراسات القانونية ووحدة قانون الأسرة والعلاقات الدولية الخاصة
عشية يوم الأربعاء 30 ديسمبر 2020 حلقة نقاشية عن بعد حول موضوع: زواج القاصرات
بين الواقع والقانون، أطرها الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب.
استهلت
أشغال هذه الحلقة الدراسية بكلمة افتتاحية للدكتور يونس الحكيم، أستاذ
القانون الخاص بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، تناول فيها السياق العام لتنظيم
هذا اللقاء في ظل توالي صدور التقارير الوطنية والدولية التي تدق ناقوس الخطر حول
تنامي ظاهرة تزويج القاصرات التي تحولت من استثناء الى قاعدة، حيث تطرح إشكاليات
عميقة على مستوى العمل الميداني، لا تقتصر مظاهرها على الصعيد الوطني فقط، بل تشمل
أيضا مغاربة المهجر، في ظل وجود عدة قوانين لا تعترف بعقود الزواج التي يكون أحد
طرفيها قاصرا.
وتطرق
ضيف الحلقة النقاشية الدكتور أنس سعدون في مداخلته، لإشكالية تزويج الطفلات
من خلال مقاربتها من زاوية الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، وعدد من التقارير
والدراسات التي أرجعت أسباب تنامي الظاهرة الى الفقر، وعدم المساواة بين الجنسين، وضعف إمكانية الحصول
على التعليم، وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية، ونقص فرص العمل اللائقة، وأضاف أن
مدونة الأسرة وان وحدت سن الزواج بين الجنسين وحددته في 18 سنة، إلا أنها أجازت
وبشكل استثنائي النزول عن هذا السن بمقتضى مقرر قضائي معلل يبين مصلحة القاصر، بعد
الاستماع الى أبوي القاصر والقيام ببحت اجتماعي أو اجراء خبرة طبية.
وأضاف المتدخل الى أن حصيلة تطبيق مدونة الأسرة كشفت
الثغرات في المواد المتعلقة بزواج القاصر، بحيث أن المشرع لم يلزم المحكمة
بالاستماع الى الطرف القاصر، كما أن الطرف الراشد أو "الخطيب" يعتبر
أجنبيا عن هذه المسطرة، والحال يفرض اعتباره طرفا رئيسيا، فكيف يمكن التأكد من
وجود مصلحة للقاصر في الزواج، اذا لم يتم الاستماع الى خطيبها؟ والوقوف على مدى
التوافق بينهما في السن والفكر والطباع؟
وأضاف المتدخل أنه أمام هذا القصور في النص حاول القضاء
المغربي التدخل وسد هذه الثغرات عبر عدة إجراءات إضافية، من بينها الاستماع الى
الطرف القاصر على انفراد، حيث أسفر هذا الاجراء في كثير من الأحيان عن اكتشاف
حالات لعدم موافقة الفتيات القاصرات، ، كما أن عددا من المحاكم سنت اجراء استدعاء
الخاطب والاستماع اليه، والتنصيص على اسمه في مقرر الاذن بالزواج، تفاديا لمنح اذن
قضائي مطلق، يمكن التحايل عليه؛ كما فرضت الاختصاص المحلي، معتبرا أنه وبالرغم من
هذه القيود يبقى زواج القاصر في أحوال كثيرة محكوما عليه بالفشل وهو ما يبدو في
كثرة النزاعات المترتبة عنه، من دعاوى نفقة، وتطليق واهمال أسرة وشكايات طرد من
الزوجية، وعنف زوجي، حيث تكتشف العديد من الفتيات وجود هوة بين تصورهن المثالي لمؤسسة
الزواج والواقع الذي يعشنه.
ودعا الدكتور أنس سعدون في نهاية مداخلته الى
التعجيل بتعديل المقتضيات القانونية التي تؤطر الموضوع اما بمنع زواج القاصر بشكل
نهائي بتثبيت القاعدة وإلغاء الاستثناء، أو على الأقل وضع حد أدنى لسن الزواج
وتحديده في 17 سنة، واحاطة هذا الزواج بضمانات قانونية تكفل عدم استعماله كوسيلة
للتحايل على القانون، وتكفل أيضا الوقوف على المصلحة الفضلى للقاصر، ومن المقترحات
التي قدمها في هذا السياق تقييد الطلبات بالاختصاص المحلي، وتخويل النيابة العامة
وكل من له مصلحة الحق في الطعن في حالة الاستجابة الى الطلب واعتبار الطعن موقف
للتنفيذ، والجمع بين الخبرة الطبية والبحت الاجتماعي، واعتبار الخاطب طرفا رئيسيا
في هذه المسطرة، واجراء أكثر من جلسة استماع للطرفين، تفصل بينهما مدة معتبرة، لأنه
كلما طال أمد البت في مسطرة تزويج القصر إلا وتم التأكد من مدى جدية هذه الطلبات،
التي لا ينبغي أن تعالج بسرعة، فمصلحة الطرف القاصر تقتضي التروي في منح الاذن
بتزويجه، مقترحا منح اختصاص معالجة هذه الطلبات الى القضاء الجماعي، فضلا عن تجريم
التحايل على المقتضيات القانونية المتعلقة بزواج القاصر، واعتبار طلاقه طلاقا
تعسفيا موجب للتعويض.
أشغال الحلقة النقاشية التي استغرقت أزيد من ساعتين عرفت تفاعلا كبيرا بين المتتبعين من طلبة باحثين وأكاديميين وقضاة ومساعدين اجتماعيين ومهنيي العدالة، حيث تم التأكيد على أن تزويج الطفلات مشكلة مركبة يختلط فيها البعد الاجتماعي بما هو اقتصادي وثقافي وقانوني وبالتالي فإن ايجاد حلول آنية لها لا يمكن أن يتحقق بمجرد اللجوء إلى الحل التشريعي، وهو ما يفرض أيضا ضرورة التصدي للظاهرة أيضا عبر السياسات العمومية، وبالأخص الاهتمام بتعليم الفتيات ومحاربة التسرب المدرسي والنهوض بأوضاع الفئات الهشة، وتعزيز قدرات الفتيات من خلال الاهتمام بالتكوين والتعليم حتى لا يبقى الزواج هو البديل الوحيد المتاح للأسر الهشة للتخلص من أعباء الفقر.